أشهر مؤامرة في التاريخ المصري القديم تحكيها لنا "الممياوات الصارخة"
"إنها تصرخ منذ ثلاثة آلاف عام ولا يسمع أحد بصراخها , تقبع في مقبرة ملكية ولكن دون هوية, تحت جلد الماعز تقبع اللعنة ,ويكمن الهلاك فانتظروا الجحيم حين يجيب القدر لتلك الصرخات."هكذاوصفها الكاتب محمد سمير. وهي مومياء محفوظة بالمتحف المصري وهي الوحيدة التي اتخذت إدارة المتحف قرارًا بتغطيتها بقماش أبيض بعد ما أشيع بشأن أنها تخيف المارة. وقد تم العثور عليها في خبيئة المومياوات الملكية بالدير البحري في 1886 على يد ماسبيرو. فما هي حكايتها؟
تكشف تلك الممياوات عن أشهر مؤامرة عرفها التاريخ المصري القديم هي تلك التي دبرت لقتل الملك “رمسيس الثالث”ثاني ملوك الأسرة العشرين. وقد وصلت إلينا تفاصيل هذه المؤامرة من خلال بردية :"تورين"
والذي أتاح وقوع مثل هذه المؤامرة، هو أن "رمسيس الثالث" على ما يبدو لم يحدد مَن مِن بين أبناء زوجاته الملكيات الكبريات سيرث العرش من بعده. يبدو أن هذا الأمر قد دفع واحدة من زوجاته "تي" إلى أن تعمل على أن يتولى ابنها “بنتاؤر” كما سُمِّيَ في المحاكمة مقاليدَ الحكم، فكانا هما اللذين قاما بتدبير حركة تمرد فعلي كادت أن تنتهي باغتيال "رعمسيس الثالث".
وقد اشترك معها في تدبير المؤامرة اثنان من كبار موظفي القصر، وهما "مسـد سـو رع"، و"ﭙـا بـاك آمـون". وقد كانت مهمة الأخير في داخل القصر وخارجه هي توصيل رسائل الحريم إلى أمهاتهن وأخواتهن، وقد كانت على النحو التالي:
"أثيروا القوم، حَرِّضوا الأعداء ليبدءوا الأعمال العدائية ضد سيدهم."
وقد اشترك في المؤامرة أيضاً بعض الضباط وحراس القصر، وأحد الكهنة، وست من نساء الحريم كنَّ واسطةً بين الملكة وشركائها في الخارج. وقبل أن يسدد المتآمرون ضربتهم، عملوا على إثارة الفرق المعسكرة في بلاد "النوبة" لتشق عصا الطاعة ضد الملك، ولتقوم بهجوم مفاجئ على مصر، وتمكن المتآمرون من كسب رئيس الفرقة إلى صفهم.
ولم تكتف "تـي" وأعوانها بجمع الأنصار، بل لجأوا للسحر ليستعينوا به على جلب الضر والبلاء على الملك وأعوانه . ولقد كانت تفاصيل هذه المؤامرة مثار مناقشة كثير من الباحثين،فلقد أعلن الفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية رسميا عن كشف أثري مهم حول حقيقة مومياء الملك رمسيس الثالث وظروف وفاته، اذ تم الكشف والتأكد من أن الملك قتل بسكين حاد تسبب في قطع ذبحي في الرقبة أحدثه القاتل الذي فاجأ ضحيته من الخلف.
وقد قضت المحكمة بإعدام “بنتاؤر” وثلاثة آخرين و تم لف جسده بجلد الماعز وليس الكتان المعتاد، ولم يكن جلد الماعز طاهرا في العقيدة المصرية القديمة حيث اعتبر الماعز من الحيوانات التي تعادي اله الشمس رع وكانت موميائه معروفة باسم المومياء الصارخة وذلك بسبب انه اجبر علي قتل نفسه وتحنيط جسده وهو في حالة صراخ.
وهذا ايضا ما حدث مع الباقي فقد تركوهم ليقتلوا أنفسهم بأيديهم، بينما حكم على آخرين بالسجن، وببتر الأعضاء وحرقوا بالنار ووزع رماد اجسادهم علي طرقات مصر ليمنعوا من الخلود .
وقد ذكرت بردية تورين القضائية أسماء وألقاب المتهمين الآخرين في قضية اغتيال الملك وقد سبقت بالمجرم الكبير باستثناء الأمير المتآمر إذ يبدو أن التصريح باسم ذكره أو نعته بالمجرم الكبير أمراً مشينا ينتقص من مكانته الملكية على الرغم من فداحة جرمه ويتضح من خلال بردية "تورين " القضائية أنه انتحل اسماً مستعارا حيث ورد ما نصه "هذا الذي قيل له هذا اسم آخر"
مؤامرة الحريم :
من الأحداث التاريخية الهامّة في مصر القديمة قضية
اشتهرت في البرديات التي وصلتنا بمؤامرة الحريم ، وجدت
مكتوبة تفصيلاّ في بردية تورين القضائية ، و بردية لي و
رولن ، و بردية هاريس ترجمها العديد من اساتذة اللغة و
علم المصريات مثل الأستاذ بريستد ، الأستاذ جاردنر ،
الأستاذ دي باك و الأستاذ سليم حسن .
أبطال هذه القصة الملك رمسيس الثالث 1100 ق.م (
الضحية )
زوجته الثانية الملكة تي و ابنهما الأمير بنتاور ( مدبرين )
و حوالي 40 شخصاّ من المتهمين في هذه المؤامرة منهم
رجال من الجيش ، و الشرطة ، و الكهنة ، و السحرة و أفراد
من حاشية القصر المقربين من الملك رمسيس الثالث ..
قبل أن نسرد تفاصيل هذه المؤامرة دعونا نرجع إلى عهد
رمسيس الثالث لنرى كيف كان وضع مصر وقتها ..بعد فترة
قصيرة من حكم رمسيس الثالث تعرضت حدود مصر الشرقية
و الشمالية إلى غزوات متلاحقة و شرسة من مجموعات
يطلق عليهم شعوب البحر و كادوا أن يحتلوا أجزاء من
مصر ، حاربهم الملك في عدة معارك أحداها كانت أول معركة
بحرية في تاريخ مصر القديم و أمّن حدوده الشمالية و
الشرقية بعد سنوات من الحروب الضروسة .
لم يهنأ رمسيس الثالث كثيراّ بعد أن توقف القتال في الشرق
و الشمال حتى فوجئ باجتياح القبائل الليبية حدود مصر
الغربية ووصلوا إلى حدود الدلتا فحرك جيشه لطردهم و
تأمين حدود مصر الغربية .
أما الداخل الذي انهك اقتصادياّ جراء الحروب المتتالية و
تهديد مستمر لحدود البلاد فكانت القلاقل و التذمر من الشعب .
و قد حدث في عهده أول إضراب منظم ( عصيان مدني )
من قبل عمّال و فناني دير المدينة و هذه كانت تعد حينها
أحد فئات الطبقة الوسطى في الهرم الإجتماعي المصري ،
كان الإضراب له مطالب محددة الأمن و الراتب ، نفهم من
سياق الأحداث أنه كان هناك ما يشبه الإنفلات الأمني الذي
يهدد مدينة العمّال و الفنانين و بسبب الأزمة الاقتصادية
تأخرت رواتبهم عدة مرات فقرروا التحرك المنظم .
تدخل الفرعون سريعاّ و استجاب لمطالب فناني و عمال دير المدينة .
و مما اثار الإستياء و النقد أيضاّ في عهد رمسيس الثالث
هو تغول السلطة الدينية ممثلة في الكهنة و ازدياد نفوذهم
بشكل استفز البلاط الملكي و الطبقة العليا البيروقراطية إن جاز لنا التعبير .
في اّخر أيام حكم رمسيس الثالث الذي أرهق كثيراّ ، ظنّ أن
القصر هو المكان الاّمن الذي سيخلد فيه إلى الراحة بعد
ثلاثون عاماّ قضاها على عرش مصر، سترفرف روحه إلى
السماء و تحلق مع النجوم و ينعم بالهدوء ثم الخلود .
رتب الفرعون العجوز كل أمور المملكة لينتقل عرش
مصر بسلام إلى ابنه رمسيس الرابع من زوجته الملكية
الأولى و حسب التقاليد المصرية كان هو الوريث الشرعي
للحكم .
الوقائع :
صورة من جوجل لمعبد رمسيس الثالث يقع غرب مدينة
الأقصر يعرف بمعبد مدينة هابو و كان القصر يقع على يمين
الصورة و مازالت بعض أساساته موجودة إلى الاّن و يعتقد
حسب البرديات أن مؤامرة الحريم تمت في هذا القصر
في غرف القصر الملكي كانت هناك الملكة تي التي لم ترضى
باختيار رمسيس الرابع كولي للعهد و ملأ قلبها الحقد تجاه
زوجها و قررت هي و ابنها أن ينهيا حياة الملك بالقتل ،
دبرت كل شئ و بذلت الأموال لتجنيد من ينفذ الخطة التي
وضعتها لإضعاف جسد الفرعون المنهك بالعزائم السحرية ثم
قتله ، و إلهاء جيش مصر في حرب أخرى جنوباّ فقد حرضت
القبائل النوبية على التمرد على حكم زوجها .
إذاّ كل شئ قد رتب ...سيقتل الملك و الجيش في الجنوب ...
. سيعتلي ابنها العرش و لن ينقلب عليه الجيش الذي سيكون
على رأسه رمسيس الرابع ولي العهد .
لا نعلم على وجه اليقين هل تم قتل الملك كما قال بعض علماء
المصريات حديثاّ !!؟ أم أصيب إصابة قاتلة أمهلته بعضاّ من
الوقت ليشكل المحكمة التي ستنظر القضية بعد انكشاف أمر
المتاّمرين حسب ما جاء في البرديات !! الفرضية الثانية هي
المرجحة عند أغلب علماء المصريات المعتبرين ، و هو أن
الملك قد أصيب و عاش أياماّ حتى شكّل المحكمة و أصدر
أوامره حسب ما هو مكتوب تفصيلياّ في البرديات.
الإجراءات:
أياّ كانت النهاية فلدينا حسب نصوص البرديات محكمة شكٌلت
و لدينا متهمين تم تقسيمهم إلى مجموعات حسب درجة
ضلوعهم في الجريمة ، و بدأت اجراءات التقاضي بعد أن
أعطى رمسيس الثالث أوامره الصارمة كما هو مكتوب نصاّ
:
( خذوا حذركم ، اعتنوا لئلا تجعلوا بعض الناس يعاقب خطاّ
على يد موظف ليس مسيطراّ ، هكذا تحدثت إليهم المرة بعد المرة )
لم يكن هذا و حسب بل نجد أن رمسيس الثالث قد فوّض
المحكمة في صلاحياته بالتصديق على الحكم لأنه طرفاّ في
القضية بل هو الضحية ، و أنه لن يتحمّل أي وزر و لا خطأ
من القضاة حين يقف أمام ماعت .
مات الفرعون
...
استمرت المحكمة في اجراءاتها يرعاها ابنه ملك مصر
رمسيس الرابع حتى يُكتشف أن اثنين من القضاة قد ثبت
عليهم بالدليل القاطع تهمة تمس الشرف ببعض المتهمات في
القضية ، فتوقف المحكمة و تشكل أخرى لمعاقبة القاضيين
أولاّ بجدع الأنف و قطع الأذن و تستكمل الاجراءات القضائية .
الحكم :
انتهت المحكمة إلى اثبات براءة بعض المتهمين ، و معاقبة
اّخرين بعقوبات مختلفة حسب درجة ضلوعهم في المؤامرة و
حُكم بالإعدام على أخو ملك مصر رمسيس الرابع و ابن ملك
مصر رمسيس الثالث الأمير بنتاور و يعتقد أن مومياءه هي
المومياء المعروفة باسم مومياء الصرخة لأن حُكم الإعدام في
مصر القديمة كان في الأغلب ينفذ بواسطة الإنتحار بتجرع السُم .
مومياء الصرخة و التي يعتقد أنها للأمير بنتاور ابن الملك
رمسيس الثالث و الذي يعتقد أنه مات إثر تجرعه مادة سامّة لإنهاء حياته
لا نعلم ما حدث للملكة تي فقد كانت البردية ناقصة تلف بعض
منها و هو ما كان يحكي عن الحكم الذي صدر بحقها و إن
ظن أنها لاقت نفس مصير ابنها بنتاور .
العدل ليس رفاهية
مهما زُوِر التاريخ سيأتي يوماّ قريباّ أم بعيداّ و تكشف الحقائق .
لا يمكن أن تقوم حضارة سندها البطش و القمع و الخوف و
الظلم فهي حتماّ إلى زوال هكذا علّمنا المصري القديم . هكذا
علّمنا التاريخ .
الظلم فهي حتماّ إلى زوال هكذا علّمنا المصري القديم . هكذا
علّمنا التاريخ .