بحث هذه المدونة الإلكترونية

Powered By Blogger

الاثنين، 18 يوليو 2016

ناريخ الاسكندرية

الإسكندرية..صورة شخصيةصور الإسكندرية - صور محافظة الاسكندرية - صور بحر الاسكندرية 2013
قد يكون غريبا أن نأتي على ذكر الإسكندرية ونحن في عز الشتاء ولكن الذي يعرف هذه المدينة الساحلية المصرية يدرك أنها تكون أجمل تحت البرد والمطر عندما ترفل فوقها سحابات من الشجن الشفيف وتكون أكثر قربا لقلوب الشعراء. 

هل كان ذلك الفتى النبيل الإسكندر تلميذ أرسطو النابه، يعلم أنه لا يقيم فقط مدينة تحمل اسمه خالدا على مر الزمان، وإنما يقيم عالما بأسره وتاريخا كاملا؟ 
أغلب الظن أنه كان يعرف.. هو لم يكن معنيا بالخلود فقط، بل بتغيير الدنيا.
صور الإسكندرية - صور محافظة الاسكندرية - صور بحر الاسكندرية 2013
المسافة من جزيرة فاروس -الأنفوشي حاليا- إلى راقودة -كرموز الآن- يقطعها السائر على قدميه في أقل من ساعة، ولابد أنه كان يفعل ذلك قبل الميلاد في وقت أقل أيضا، ذلك أنه لم تكن هناك بنايات يدور حولها ولا طرق محدودة. كانت الأرض مسطحا من رمال لقد وقف الإسكندر بفرسه في راقودة فرأى آخر نقطة عند البحر فاروس فقرر أن يصل بينهما لكنه مات قبل أن يتم ذلك.
صور الإسكندرية - صور محافظة الاسكندرية - صور بحر الاسكندرية 2013
لقد كان بطليموس الأول وخلفه بطليموس الثاني، هما اللذين أنجزا بناء الإسكندرية لذلك أنا لا أصدق أن الإسكندر الأكبر مدفون في الإسكندرية. أعلم أن هناك دراسات كثيرة جادة تؤكد دفنه في مدينته، وأحترم كل هذه الدراسات، وكل المحاولات التي تمت لاكتشاف مقبرته والتي اشترك فيها علماء كبار وجرسونات أيضا! 
أعلم كل ذلك، ولا أصدق أن الإسكندر مدفون بالاسكندرية. لقد وضع الإسكندر حجر أساس المدينة العالمية عام 331 ق. م وأوكل مهمة تخطيطها إلىدينوكراتيس البارع في الهندسة وانتهى الأمر عند ذلك.

قام دينوكراتيس بتخطط المدينة مثل رقعة من الشطرنج شوارع مستقيمة من الشمال إلى الجنوب تقطعها شوارع مستقيمة من الشرق إلى الغرب والعكس صحيح طبعا. 
وبين هذه الشوارع شارعان كبيران أحدهما من الشمال إلى الجنوب، أغلب الدراسات تؤكد أنه شارع النبي دانيال الحالي
والثاني من الشرق إلى الغرب هو طريق كانوب القديم أو طريق أبوقير حديثا أو طريق الحرية ثم طريق جمال عبدالناصر الذي نسي السادات أن يغير اسمه.

الشارع الأول الذي يحمل اسم النبي دانيال الآن شارع صغير مريح للأعصاب، تكسر مبانيه العتيقة المتوسطة الارتفاع غالبا حدة ضوء الشمس فتجعله ظليلا طوال النهار، أو على الأقل محتمل الحرارة، وهو شارع به مجموعة من الآثار الرومانية مثل حمامات كوم الدكة القريبة، أو صهريج مسجد النبي دانيال، أو آثار البرديسي الواقعة بشارع البرديسي المجاور لسيدي عبدالرزاق الوفائي المقابل للنبي دانيال!!

إذن نعود للنبي دانيال كلما ابتعدنا، ووجب أن نقول أنه ليس بالنبي دانيال المذكور في التوراة، لكنه الشيخ محمد بن دانيال الموصلي أحد شيوخ المذهب الشافعي الذي قدم إلى الإسكندرية في نهاية القرن الثامن الهجري واتخذ مسجد الإسكندر- هكذا كان اسم المسجد- مكانا له يلقي فيه دروسه حتى توفي عام 810 هـ فحمل المسجد اسمه ونسي الناس اسم الإسكندر.

هذه أعجوبة كاملة لأن الدراسات التي قالت بوجود قبر الإسكندر تحت الجامع ثبت عدم صحتها، وأولاد البلد قبل الدراسات بقرون أزالوا اسم الإسكندر غير الموجود من فوق الجامع، ووضعوا اسم بن دانيال الموجود. أما تحور الاسم إلى النبي دانيال فربما لقرب المكان من حي العطارين حيث تجارة اليهود والجاليات الأجنبية، والأغلب أن الحس الشعبي لا يفرق مع الوقت بين ولي ونبي.

هذا الشارع شبع حفرا في سنوات الستينيات والخمسينيات بسبب جرسون مجنون كان اسمه ستيليوس كان يونانيا يزعم أنه عثر على مخطوطات تحدد وجود قبر الإسكندر. وفي أوائل السبعينيات أظن عام 1972، أشيع أن شابا كأن يمشي مع خطيبته بالشارع، وعند التقاء الشارع بطريق الحرية غارت الأرض وسقطت خطيبته فيها وضاعت*. لقد رأيت أنا هذه الحادثة، ورأيت فرق الإنقاذ وهي تحفر الأرض بحثا عن الفتاة التي ابتلعتها الأرض. كان أهل الإسكندرية يخرجون جماعات يحيطون بعمال الإنقاذ في انتظار العثور على الفتاة وأعلن عمال الإنقاذ أن الأرض تحت الشارع مليئة بالآثار والغرف والطرق السحرية. لقد ضاعت "مرفت" إلى الأبد. هكذا كان اسم الفتاة.

لقد أحيطت الإسكندرية القديمة بسور كبير زال واندثر مع الأيام. سور وقف أمامه أنطيوخوس الرابع ملك سوريا حين أراد غزو مصر عام 170 - 168 ق. م ولم يدخل الإسكندرية، لكن الذي دخلها كان دقلديانوس الإمبراطور الروماني الشهير الذي تفنن في تعذيب المسيحيين والذي سمى عصره بعصر الشهداء وبإحدى مذابحه بدأ التقويم القبطي. لقد استطاع دقلديانوس دخول الإسكندرية التي كانت قد أعلنت الثورة عليه وخلعته من حكم روما، وأعلنت قائد ثورتها لوكيس دوميتيوسإمبراطورا.

وقف دقلديانوس ثمانية أشهر أمام السور بين عامي 265 - 66 - ميلادية ثم نجح في دخول المدينة وحولها إلى حمامات دم.

يقال إن أهل الإسكندرية على طول التاريخ كانت لهم حرفة واحدة رئيسية هي السخرية من حكامهم بقول الشعر والانشغال بمصارعة الديكة لذلك لم يكن هناك صفاء أبدا بين أهل الإسكندرية وأي من الحكام الذين لم يتوقفوا عن اضطهادهم حتى كاد الشعب السكندري يباد.

أنا أصدق هذه المقولة حينما أتذكر أن محمد علي باشا تولى أمر البلاد المصرية عام 1805 وكان تعداد أهل الإسكندرية ثمانية الآف، هي التي بلغ تعداد سكانها في العصر الروماني ثلاثمائة ألف حر، وتستطيع أن تضيف مثلهـم من العبيد.

نعود إلى دقلديانوس هذا لنعرف أن أهل الإسكندرية هم أنفسهم فيما بعد، بعد أن استقرت الأوضاع، ورفع عنهم جزية القمح، التي كانوا مضطرين لدفعها إلى روما، قاموا بتخليد ذكرى دقلديانوس الرهيب بإقامة نصب تذكاري من أجمل ما حفظته لنا المدينة من آثار ألا وهو عمود السواري الذي يقف شامخا على ربوة السيرابيوم بكوم الشقافة براقودة القديمة، أو كرموز الحالية.

سكان حي كرموز يتصفون بالجسارة والقوة حتى الآن رغم أن الحي الشعبي العريق عشش فيه الفقر والمخدرات. في هذا الحي عشت طفولتي وصباي. في صباي كنت أنظر إلى عمود السواري الشامخ مدهوشا لا أعرف عنه أكثر من كونه أثرا جميلا فيما بعد عرفت أن الموقع الذي أقيم فوقه من أهم الآثار. كان فوق نفس الهضبة معبد السيرابيوم الذي أسماه العرب قصر الإسكندرية، وكان عمود السواري يتوسط أربعمائة عمود ترفع القصر الذي تهدم. الأعمدة نفسها حملها الجنود أيام صلاح الدين الأيوبي وألقوا بها في البحر لتحصين الإسكندرية. الآن من يغطس في الميناء الشرقي بالإسكندرية ير هذه الأعمدة الغارقة.

أسفل هضبة كوم الشقافة هذه توجد جبانات أثرية خالية، كنا ندخلها في صبانا باعتبارها مغارات، نحمل في أيدينا شعلا من نار على طريقة المستكشفين ونطارد الخفافيش. كان يسكن الهضبة جماعات فقيرة من النوبيين يبيعون الفول السوداني واللب في القراطيس يجوبون بها شوارع الإسكندرية، وبعض من الغجر الذين كنت أحب رقصهم وغناءهم والحلقات في أنوفهم والوشم الأخضر على كل جزء عار من أجسادهم. 


عمود السواري حقيقة لكن مثل كل حقيقة كبيرة دارت حوله الأساطير. ومن أبرز ما قيل من خرافات أن أكثر من عشرين شخصا تناولوا غداءهم مرة فوق تاج العمود، أو أن رأس "بومبي" موجودة في جرة فوق تاج العمود، لكن المؤكد أنه جرت محاولة لإقناع كل من لويس الرابع عشر، ومن بعده الخامس عشر، بنقل العمود إلى فرنسا ليكون قاعدة لتمثال كل منهما على التوالي، والحمد لله أن أحدهما لم يقتنع بالفكرة.

عمود السواري قطعة واحدة من الجرانيت الأحمر طولها 20.75 متر وقطرها عند القاعدة 2.70 متر وعند التاج 2.30 متر قطعت من جبال أسوان ونقلت سليمة إلى الإسكنـدرية لينقش عليها بالهيروغليفية واليونانية مـا يؤكـد أنه أقيم تخليـدا لذكـرى الإمبراطور المتـوحـش.. أنا لا أصـدق. لا بد أن أتبـاع هذا الإمبراطـور هم الـذين فعلوا ذلك وألصقـوه بأهل الإسكندرية.


لم تكن الإسكنـدريـة تعتبر جزءا من مصر. كان اليونانيون ومن بعدهم الرومان يقولون عنها الإسكندرية المجاورة لمصر. ولدت من يومها تاريخا مستقلا. صارت سيدة العصر الهلنيستي. كان طولها في بدايتها خمسة كيلومترات وعرضها حوالي الكيلو متر والنصف.

طولها ازداد مع الزمن. عرضهـا لم يزدد كثيرا بسبب بحيرة مريوط التي تضغـط على جنوبها، وبحيرة إدكو، والصحـراء. كـذلك مكتـوب على الإسكندريـة أن تستطيل مع البحر. أن تنام حتى القيامة في حضن الموج. هي عروس دائم للبحر المتوسط هكذا أرادتها الطبيعة رغم ما يقذفـه بها بنو الإنسان من تلوث وتخبط واستبداد.


حكاية الترعة

من أهم أسبـاب ازدهار الإسكندرية قديما وجـود الفنار الشهير، إحدى عجائب الـدنيا السبع القديمة، الذي شيده المهندس سوستراتوس بن ديكسيانس في عهـد بطليموس الأول لينتهي منه في عهـد بطليمـوس فيـلادلفوس حوالي عام 280 ق. م. لقد كان الفنار يرتفع إلى 135 مترا يهدي السفن إلى الميناء. وكان أيضا يستخدم في صرف سفن الأعـداء بالمرايا الضخمة التي تعكس حزما من أشعة الشمس مركزة عند اللزوم. لقد أباد الزلزال الفنار العجيب.

السبب الثاني المهم لازدهار الإسكندرية قـديما كان وجود ترعة من المياه العذبة هي ترعة شيدا مكانها الآن سوق شيديا لابد، أو على الأقل مكان جزء منها- كانت الترعة تربط بين النيل والميناء. أي بين الإسكندرية وأعماق القارة الإفريقية.

انـدثرت الترعـة واضمحل شـأن الإسكنـدريـة واحتاجـت إلى ترعة أخرى في العصر الحديث شيـدها ألباني من الأناضـول، هو محمد علي باشا. هذه الترعة حملت اسم أحـد أبنائه هـذه المرة. أقصـد بها تـرعـة المحمودية. أجل ترعة المحمودية هي سبب ازدهار الإسكندرية في العصر الحديث. لقد مضى زمن طويل على الإسكندرية وهي مقطوعة الصلة بالقاهرة، وإبان العصر التركي والمملوكي كـانـت قلعة قايتباي التي أقيمت مكـان الفنار القـديم تستخـدم كسجن ومنفى للخصوم.

لقد صدرت أوامر محمد علي باشا السنية ببدء حفر الترعة عـام 1233 هـ 1819 م، وأن تعمق حتى تجري فيهـا المياه صيفا وشتـاء، وأمر حكام الجهـات بجمع الفلاحين للعمل- والكـلام هنـا للجبرتي- فكـانوا يـربطونهم قطارات بالحبال وينزلـون بهم من المراكب ومات الكثيرون منهم من البرد والتعب وكل من سقط أهالوا عليه تراب الحفر ولو فيه روح.. يا ساتر يا رب.

لقد انتهت الترعة، وانتهى حفرها عام 1840 وبلغ سكان الإسكندرية ستين ألفا، وفي عام 1848 بلغوا مائة وثلاثة وأربعين ألفا. مـن هذا الإحصاء تعرف ما الذي أضافته الترعة إلى المدينة التي تسلمها محمد علي باشا وسكانها لا يزيدون على الثمانية آلاف.

لقد شاهـدت في صباي ترعة المحمودية هذه وهي عروس جميلـة نظيفة تبحر فيها السفن الكبيرة على مهل حـاملـة بضـائع الصعيـد والـدلتـا إلى الميناء وإلى الإسكندرية عموما، وكـان أكثر ما تحمله القطن والقصب والقمح. واستمعت إلى غناء النوتية المعزب، وشاهدت جماعات السمار من الشباب والفتيـات في الأماسي وقبل المغيب وهم ينطلقون فوق الماء في الفلائك الصغيرة الملـونـة يمرحـون ويتحابون. كانت متنزها للفقراء والمحبين. كتبت روايـة قصيرة هي "ليلة العشق والدم" تجري كل أحـداثها على هذه الترعة.

لقـد صارت الترعة مكـانا كـريها لما ألقي فيها من فضلات المصـانع، صـارت بـؤرة للتلـوث جنوب الإسكندريـة. يقولون إنهم يعيـدون تنظيفها الآن. لعل ذلك يكون صحيحا. أنا لم أجـد في البلاد أمة تتخلص مما لـديها من مسطحات مائية مثل أمتي التي برع أهل عصرها الحديث، آسف، أهلها المعاصرون الآن، في ردم أجـزاء كبيرة من البحيرات بـدءا من بحيرة مريوط بالإسكندرية حتى بحيرة البردويل في سيناء.

على أي حـال، أبنـاء جيلي من الأحيـاء الشعبية الجنـوبية يحتفظون لهذه الترعة التي أعلت من رشـاقـة المدينة بـذكريـات جميلة. داخل هذه الذكريات أيضا ذكريات عن عصابات اللصوص التي كانت تطـارد بحـارة السفن وتسرق بعض بضائعها. مازلت أذكـر براعة أولئك اللصوص في السباحة والغطس لـوقت طويل تحت الماء حين يداهمهم البوليس بالرصاص. أجل، كانت تحدث معـارك حقيقية لم تكن بالنسبة لي وأصحابي في صبانا تختلف عن المعارك السينمائية، فكنا نجري بـين الفريقين بلا خوف من رصـاص. كنا نطلق على اللصوص أسماء الأبطال السينمائيين حميـدو وطرزان وغيرهما.

كـانت السينما هي العـالم السـاحر الـذي أدين لـه بـالكثير من المعـارف إلى جـانب مكتبـة الإسكندرية العريقة، مكتبة البلدية، المدارس أيـام كانت هناك مدارس ومكتبات!!.. أحب أن أقف قليـلا عنـد السينما لكني أؤجل ذلـك حتى انتهى من الحديـث عن الشمال والجنوب في الإسكندرية مـا دمت تحدثت عن المحموديـة فلا بأس أن أتحدث عن البحر. الأول ملح الجنوب الرئيسي والثـاني وجـه الشمال الثـابت إلى يـوم الدينونة.


الشمال والجنوب

شمال الإسكنـدريـة منـذ نشأتها هـو الحي الملكي. تغيرت المسميات والوجوه لكنه ظل حي الصفوة، الملوك والغرباء!

قديما كانت المساحة المطلة على الميناء الكبير هي حي القصـور الملكية الممتدة حتى السلسلة. في هذا الحي الملكي شيـدت أروع معالم العـاصمة، عاصمة العصر الهليني الإسكندريـة. وإلى جـانب القصور شيدت الحدائق والنافورات والمتاحف ودار الحكمـة ومعبـد بـوسايـدون إله البحار ومعبـد قيصرون ابن كيلوباترا ويوليـوس قيصر التعيس الذي قتله أوكتافيوس مكتفيا بوجود قيصر واحد هو نفسه مسكـين قيصرون هـذا ولد بسبب الفتنة، فتنة أمه ليوليوس قيصر، ومات بسبب الفتنة، فتنـة أمه لأنطونيوس وفشلهما في الحرب مع روما.


في هذا الحي الملكي شيدت أيضا مكتبة الإسكندرية الشهيرة ودار القضاء والجمينازيـوم و البانيـون ذلك التل الكبير الذي أقامه أهل الإسكندرية تكريما للإله بانبحيث يطل من يقف فوقه على المدينة كلها. إن بقايا هذا التل هي ما يعرف بـكوم الدكة الآن. تلك التي نصب عليها نابليون مدافعه، والتي كان على سفحها معسكرات قوات "بلوك النظام" قبل الثورة ينطلقون منهـا لمقاومة المظاهرات.


كان من بين هذه القوات عام 1951 ضابط اسمه سعد الدين وهبة سيأخذ قواته من الجنود لإنهاء اضطراب عمال مصنع سباهي للنسيج القائم شرق المدينة عند كوبري صغير على ترعة المحمودية اسمه كوبري الناموس، سيمضي هذا الضابط الشاب وقته فوق الكوبري منتظرا أحداثا لا تقع سيكتبها فيما بعد في واحدة من أجمل المسرحيات العربية مسرحية "كوبري الناموس" 


وعلى هذا التل الصناعي، ومع تقدم الأيام سينمو حي شعبي كتب عليه النسيان دائما هو حي كوم الدكة الذي لا يذكر إلا إذا ذكر سيد درويش سيد الموسيقى وشهـيدها. وغريب أمر حي كوم الدكة هذا، فالذي يمشي في طريق الحرية قادما من باب شرق- سيكون الحي على يساره دائما ينفذ إليه من أي زقاق جانبي، لكن نادرا ما يلتفت الشخص إلى وجود هذا الحي على اليسار، ليس من المعقول أن يكون خلف هذه العمارات الجميلة تل كبير عليه بيوت متزاحمة فقيرة. والذي يمشي مجاورا للسكة الحديد لا يدرك أن خلف المشرحة العامة والأبنية الحكومية المختلفة يوجد تل فوقه بيوت مزدحمة هو كوم الدكة. لقد ولدت وعشت في الإسكندرية حتى الخامسة والعشرين من عمري بشكل متصل ولم أدخل هذا الحي غير مرتين أو ثلاث لزيارة بعض زملاء الدراسة الذين نسيتهم أيضا الآن.

حي كوم الدكة هو الحد الفاصل بين الشمال والجنوب. بعده يترامى الجنوب بأحيائه الفقيرة كلها الممتدة حتى المحمودية: كرموز- راغب- غربال وتمتد بالطول، تماما كالإسكندرية، لتشمل مينا البصل وباب الكلاسة والقباري حتى المكس الآن بعد أن طالت المدينة واتصلت بالصحراء في الغرب حتى منطقة العامرية، وبالزراعة في الشرق حتى منطقة أبو قير.

وكما امتد الجنوب بأثر زحف أبناء الريف امتد الشمال بأثر ازدياد الأجانب في الإسكندرية منذ تولي محمد علي باشا ومع ازدهار المدينة المستمر. يقول علي مبارك في الخطط:

"ولما كثرت الإفرنج والأغراب في مدينة الإسكندرية واستوطنوها واستحوذوا على كثير من الفضاء الذي كان بداخل المدينة وضواحيها رغبوا في سكنى الرمل وهي قرية شرق المدينة، بينها وبين أبي قير، وأكثروا من شراء الأملاك لقلة ثمن الأرض إذ ذاك".

وفي موضع آخر يقول: في آخر زمن المرحوم سعيد باشا ابتدأ الناس في سكنى جهـة الرمل خارج المناطق العسكرية، فاتسعت المدينة وكثر سكانها حتى بلغ عددهم سنة 1872 ميلاديـة "212043" نفسا من ضمنها "47316" من الأغراب من ملل مختلفة.


إن أسماء المحطـات والشـوارع في الشمال والجنوب تـريك في أي مـدى كـانت الإسكنـدريـة مدينـة كوزموبوليتية. مدينة العالم الحقيقة ابتداء من باكوس إلىسوتر و شوتش و جليمونوبلو و ستانلي و فيكتوريا و كامب شيراز وغـيرها وغيرها من أسماء الشوارع أيضا، في المنـاطق الشماليـة أو في الجنوبيـة القديمـة وبصفة خاصة منطقة كرموز- راقودة- أصل الإسكندرية حيث تجد على رأس كـل شارع لافتة تحمل اسمه اليوناني القديم ثم اسمه العربي الحديث.

في جنوب الإسكنـدرية يتكدس الفقراء وتتكدس المصانع، أيضا الشمال والجنوب قسمة ضيزى في كل الدنيـا. الشمال يعيش على حسـاب الجنـوب في كل العالم.




الغرباء

الثانية عشرة والنصف. مضى الوقت سريعا منذ أن أوقدت المصباح في التاسعة وجلست هنا..

منـذ أن أوقدت المصبـاح في التـاسعة جاءني طيف جسدي في شبـابـه وذكرني بغرف مغلقـة تلـوح فيها العطور، وبمتع عابرة، وكـم كانت متعا جسورة. كم مثلت أمام عيني شوارع لم تعد معروفة، ودور للهـو اندثرت وكانت ضاجـة بالحركة، ومسارح ومقاه كان لها وجود ذات يوم. جـاءني طيف جسدي في شبـابـه وذكرني بالأحزان أيضا.

لم ألحق بالأجانب. لحقت بذكـريات لبعضهم كانت تأتي في أحاديث الأهالي. أول اتصال بيني وبين الأجانب كان من خلال العدوان الثلاثي عام 1956. كانوا قد عادوا إلى المدينة في طائرات تلقي بالقنابل والمصابيح الضوئية في الظـلام. لم أر من اليونانيين غير واحـد كان الناس يدعونه بـالخواجة بطسو يعمل على محطة رفع المياه من ترعة المحمودية لم أشعر أبدا أنه يوناني أو أجنبي، وآخر كان يدير محلا للبويات وكان يدعى كوستا أنقذني من يـد سكـير اعترض طـريقي في أول أيـام شهـر رمضان، كنت في العاشرة من عمري وأصوم لأول مرة وخـرج لي هـذا السكير يعترض طـريقي بـلا سبب ويضربني ويلقي بكتبي المدرسيـة على الأرض. كنت عائدا من المدرسة، وأوشك أن يلقي بي تحت عجلات الترام لولا أن لحق به الخواجة كوستا وضربه وأنقذني!!

رأيت فيما بعد قليلا من اليوغسلاف الذين يديرون مطاعم الفول والفلافل وكـانوا قد أتوا مصر هـربا من نظام تيتـو الشيوعي بعـد الحرب الثانيـة. رأيتهم وأنا في سن أكبر، تكـون لدي الكثير من المعـارف، وأدركت أزمتهم مع كل زيارة كـان يقوم بها تيتـو إلى مصر. كـان البـوليس يقبض عليهم لعـدة أيام حتى تنتهـي زيارة تيتو. في عهد السادات اختفوا من الإسكندرية وأظن من القاهرة أيضا. ذلك أنهم باعوا محلاتهم بأثمان خرافية للانفتاحيين الجدد. لم أر الأجانب إذن، ولم أعرف أن من بينهم كـان هنـاك كتاب كبـار مثل الشاعر العظيم قسطنطين كفافيس أو الروائي الأشهر لورانس داريل أو أي. إم. فورستر أو جيورجيوس فيليبوس.

عندما عرفت هؤلاء الكتاب كنت قد عرفت أيضا إدوار الخراط والفريد فرج وبدر الديب وصالح مرسي من جيلي ومحمـد حـافظ رجب وغيرهـم وغيرهم ممن يعطـون لأوطاننـا معنى وامتـدادا في التـاريخ وروح التاريخ.

لكن كتاب الإسكنـدرية الآن لا يعيشـون فيهـا، لا يبعثون روحها الهلينية، ينزحون دائما إلى القاهرة، العاصمة المركزية للبلاد ولن أكون أنا آخر النازحين من الكتاب، الإسكندرية الآن مدينة طاردة كما أن القاهرة مدينة جاذبة للكتاب.

كتاب الإسكندرية الوطنيون لم يكتبوا عن الأجانب، وكتاب الإسكندرية الأجانب لم يكتبوا عن الوطنيين. إنها قسمة كونية واعتراف باغتراب كل منهما في موطن الآخر، إنها قصة القسمة الكونية. كتاب الإسكندرية الأجانب جاءوا أيضا من الشمال، من أوربا.

الاغتراب بين الشمال والجنوب في الكون، هو الاغتراب بين الشمال والجنوب في الإسكندرية. وأنا ابن الجنوب كنت أذهب إلى الشمال، البحر والسينما، كأنما ذاهب إلى الحرب. كنا نمشي جماعات من الصبية أو الشباب إلى الشواطئ كأننا نذهب إلى معركة، ونذهب كذلك إلى السينما كأنما نذهب في غزو. لم أشعر أبدا على شواطئ الإسكندرية إنها لي. كنت أيام الشتاء أستمتع أكثر بالمشي على الشواطئ من ميدان محطة الرمل إلى سيدي جابر وأعود بلا هدف. نفس الرحلة التي كان يقطعها بطل روايتي الصياد واليمام بلا هدف. وكنت أنظر إلى البارات والملاهي كأنها من عالم آخر، وكان هو كذلك في الرواية فيما بعد.

لكني في سينمات الإسكندرية، تعلمت الكثير، فيها كانت ثقافته الأولى وخفقة القلب الأولى أيضا، في السينما عرفت الأساطير الإغريقية، هرقل، وفيدرا، والسبعة ضد طيبة، ويوليسيز وبحارة السفينة الأرجوانية قبل أن أقرأ هذا كله، في السينما رأيت الحروب العالمية والحروب التاريخية القديمة وعشقت ملكات التمثيل: صوفيا لورين وأودري هيبورن، ومارلين مونرو، وبريجيت باردو وكيم نوفاك وغيرهن. وعرفت كذلك ملوك التمثيل: بيرت لانكستر وكيرك دوغلاس وجون واين وروبرت تايلور وغيرهم. كنت في الحادية عشرة من عمري أراهن زملائي بقدرتي على ذكر مائة وخمسين عنوانا لفيلم أجنبي. ولو لم أكن روائيا وكاتبا للقصة ربما كنت مؤرخا سينمائيا. أقول مؤرخا لا ناقدا. والحقيقة إنني مندهش من قدرة نقاد السينما على انتقاد أولئك العمالقة من الرجال والنساء، عمالقة التمثيل!!

في حياة كل منا مع فيلم ما قصة أو أثر ما. وأنا أتوقف كثيرا عند فيلم سبارتاكوس الذي شاهدته في سينما رويال بالإسكندرية عام 1961.

تقع سينما رويال في مكان مسحور تدخل إليه من طريق الحرية. أمامها مباشرة مسرح سيد درويش، أو محمد علي سابقا، أي أنها تقع، في منطقة شديدة الهدوء لا تطل على شارع رئيسي، ولا يذهب إليها إلا رواد المسرح من الخاصـة ورواد هذه السينما ذات التـاريخ الخاص: كنا في صبـانا نحلم بدخـول هذه السينما التي شاع بيننا أنه لا يدخلها إلا من يرتدي بدلـة اسموكن سوداء فاكتفينا بالحزن. لكننا تجرأنا وذهبنا وكان يوم عيد في ذلك العام.

كانت ملابسنا نظيفة ولكنها لم تكن "بدلا" ولم يطردنا أحد. تركونا ندخل ولم يسأل أحد عن هويتنا. رأيت جين سيمونز ذات الوجه الملائكي النحيل الحزين وهي تحكي ضاحكة باكية لكـيرك دوجلاس- سبـارتاكوس - كيف هربت من تـاجر العبيـد السمين الـذي فشل في اللحاق بها، وكـان هذا التاجـر هو الممثل العظيم بيتر استينوف- ورأيت جين سيمونز في آخر الفيلم وهي ترفع ابن سبارتـاكوس له وهو مصلوب تقول له إنه - ابنه - سيواصل الكفـاح من أجل تحرير العبيـد. منـذ ذلك الـوقت لا تضيـع مني صـورة جين سيمونـز ومأساة سبارتاكوس وكثيرا ما تغـالبني دموعي حـين أتذكـرها. لقد كـان فرحنا نحن الصبيـة لا يقارن ونحن نرى توني كيرس يقوم معلنـا أنه سبارتاكوس، للورانس أوليفييه القائد الـرومـاني وامبراطور رومـانيـا بعـد، وهـازم سبارتاكوس. إن هذه الصورة من الفداء والتضحية لا تنسى خاصة أنه بعـد أن أعلن توني كـيرس ذلك ليفدي زعيم الثورة، قام الجنود الأسرى واحـدا إثر الآخر ليعلن أنه سبارتاكوس في مشهد غير مسبوق في السينما العالمية. لقد ظللنا نحن الصبية نتفاخر بهذا المشهد حتى فرقت بيننا السنون. كنا كأننا الثوار نفدي زعيما مجهولا.

لماذا أثر فينا هذا المشهد كل هـذا التأثير؟ هل جاء متسقا مع الطبيعـة السكندريـة أم الطبيعة الإنسـانية؟ الحقيقـة أنـه جـاء متسقـا مع الاثنين معـا. أبناء الإسكنـدرية ليس فيهم "لوع" هم أكثـر أبنـاء المدن وضوحا. مـدينتهم مفتـوحـة للضوء والـريح ولا شيء يخافون عليه. لذلك مثلا تجد كتاب الإسكندرية الذين يعيشون في القاهرة لا يكونون أبدا شلة أو جماعة أدبية. الواحد منهم لا يـرى حاجة إلى أي قوة إضافية. إنه لا يحتاج لغير الوضوح. السكندريون يكرهون الحيلة من أي نوع. لـذلك تشتهر الإسكنـدرية بأنها أول من يلبي نداء الثورة دائما. لقـد كانت الإسكنـدرية هي مدينـة مصطفى كـامل المفضلة ومدينـة عبـد الناصر المفضلـة أيضا، هل هذا هو سر إهمالها فيما بعد؟!

والإسكندريـة منذ العصور القديمـة على رأيها. لقد خالفت الكنيسة السكندرية الكنيسة الرومانية، وظلت حتى الآن لم تتغير وشـاعت في الدنيـا المقـولـة الشهيرة "العـالم ضـد اثناسيوس، بابا الإسكندرية، وإثناسيوس ضد العالم" لذلك شهدت الإسكندريـة أكثر المذابح، في إحداها، عام 284 ميلاديـة سيق ثمانون ألف سكندري مسيحي إلى بلدة إسنا بجنوب مصر وقتلوا جميعا. هذا هو عام الشهداء ومبتدأ التقويم القبطي. ولقد شهد حي رقودة أكثر المذابح، وهو نفس الحي الذي سيشهد في الحرب العالميـة الثانية أكثر الغـارات الألمانية الـوحشيـة على المدينة، وهو حي الجبانة الشهير، وحي "العوالم" وفرق الغناء الشعبي. هو حي الموت والحياة.

إن الحديث عن تاريخ الوطنية بالإسكندرية طويل، ويكفي أن أذكر لك أنه في الرابع من مارس عام 1946 خرجت مصر كلها في حداد على شهداء يوم 21 فبراير. ذلك اليوم الشهير في تاريخ الـوطنيـة المصرية الذي فتحت فيه قوات البوليس كوبري عباس على الطلاب بـالقاهـرة وحاصرتهم بـالرصـاص والغرق. ذلك اليوم الذي أصبح يوم الطالب العالمي في سجل الـدنيـا. خرجت مصر في حـداد على شهداء هذا اليـوم فاشتبك شباب الإسكندرية مع القوات الإنجليزية بميدان محطة الرمل حول تمثـال سعـد زغلول واستشهد من شبـاب الإسكندرية ثمانية وعشرون وجرح ثلاثمائة وخمسون. تمثال سعد زغلول في الإسكندرية يعطي وجهه إلى البحر يشير إليـه. مـن خلف البحـر يأتـي الأغـراب. الإسكندرية الآن خالية من الأغراب. منذ ثورة يوليو 1952 وهم يخرجون منهـا. خروجهم الكبير كـان عام 1956 مرة وفي الستينيات مع التأميم. الذين يأتون مع السفن الآن يعودون. والذين يأتـون من الريف، من الدلتـا والصعيد يستوطنون جنوبها. كـان الطلاب من الريف فقط هم الذين يستـوطنـون شمالها، وبالذات الشارعان الشهيران طيبة و تانيس الممتدان في موازاة مع الكورنيش من حي الازاريطة حتى سيدي جابر كان لهذين الشارعين معنى خاص وروح خاصة. كانت تقريبا كل شقق الشارعين مخصصة للطلاب. لقد رأيت ذلك وعشت في الشارعين سنـوات الدراسة الجامعية. كنت أهرب من الجنوب وأمضي الليالي مع زمـلائي من أبنـاء الريف في هذين الشـارعيـن. كـانت الإيجارات رخيصة .

الآن اختلف الأمر. تضاعفت أسعار الإيجار عشرات المرات، لم يعد الطلاب الأغراب ينزلون هذه المناطق. انزلقوا إلى الأحياء الشعبية في الجنوب. احتلت الشارع شركات السياحة والمقاولات والتجارة. في ذلك الزمن القديم كانت مباني الشارع بيضاء نظيفة، الآن وبرغم ثراء الأعمال التجارية وأصحابها نال الإهمال مباني الشارعين

كان ذلك كله قريبا من الجامعة التي كانت روح العلم والبحث العلمي قد بدأت تتسرب منها، ولم يكن بالجامعة كلية الآداب ذلك الوقت غير عدد قليل من الأساتذة يقاوم التفكك بالاستسهال والاستسلام الزاحف على الشباب، الضياع عينه. أذكر بالاحترام والتقدير منهم المرحوم عالي سامر النشار والمرحوم عثمان أمين الذي كان يزورنا من القاهرة، والأحياء والذين أرجو لهم طول العمر أحمد أبوزيد وعبدالمعز نصر وفتح الله خليف... 

كنت أعرف أنا مبكرا، ربما بسبب القراءة، أن هؤلاء العظام وحدهم لم يعودوا يكفون في مواجهة الغث القادم. الآن حال الجامعة لا يسر. وكذلك حال الإسكندرية التي لا أنقطع عن زيارتها الشتاء أكثر من الصيف أقف أمام مياهها العريضة الزرقاء وفضائها الأبيض وقوس قزح الخلاب الممتد من سيدي جابر حتى المنتزه وأقول لنفسي لم يعد هناك غرباء في الإسكندرية حقا لكنها انقسمت إلى عالمين واضحين..

جنوبها حيث الإهمال والقذارة والبطالة والأمراض، وشمالها الذي أدار ظهره للجنوب بصلف وامتد من الصحراء حتى مطروح قرى سياحية يصل ثمن الفيلا فيها إلى المليون جنيه، وثمن الشقة إلى النصف مليون. لقد احتل المقامرون المصريون أجمل الشواطئ القديمة والجديدة ومنعوا الهواء عن سكان الجنوب. لقد أقامت المسافة الضخمة بين الغني والفقير في الإسكندرية حائطا من الاغتراب في المعسكرين. ومن عجب أن أهل الجنوب لم يعودا مفتونين بمدينتهم، وأهل الشمال لم يعودوا حريصين عليه فأصابها الإهمال في كل جانب. أصابها الكدر. 

لم يعد يعرف أنها عروس البحر غير البحر نفسه الذي كلما استطالت ألقت بنفسها إلى حضنه، ويظل على طول الأيام يلثمها بأمواجه الحانية.





انتهى المقال الذي هو بالرغم من قدم تاريخ نشره وكتاباته إلا انه يحمل الكثير من عبق الاسكندرية 

ليست هناك تعليقات: