1. في البداية نشر موقع قطري إخواني يدعى "الجمهور"، يوم الإثنين الماضي، 14 يوليو (تموز) تقريراً بعنوان: "عبد الله بن زايد التقى ليبرمان سرا في باريس وحثه على سحق غزة وحماس (سري).
في هذا التقرير يكشف 24 تفاصيل فبركة هذا "الخبر"، ولكن من المهم قبل ذلك إيراد تسلسل الأحداث، خلال الأسبوع الماضي، التي أوصلت إلى تقرير "الجزيرة نت":
2. موقع قطري إخواني ثان يدعى "وطن يغرد خارج السرب"، والمعروف بأنه أنشئ أساساً بهدف تشويه سمعة الإمارات وشنّ الحملات الإعلامية ضدها، ومقره الولايات المتحدة الأمريكية، قام في اليوم التالي بنشر الخبر، بالعنوان نفسه "عبد الله بن زايد التقى ليبرمان سرا في باريس وحثه على سحق غزة وحماس".
3. بعدئذ قام الموقع الذي أنشأته قطر أخيراً في لندن للإخواني الأردني ياسر الزعاترة، والذي يحمل اسم "عربي 21"، بنشر الخبر نفسه، مستنداً إلى المعلومات والتقارير نفسها، إلا أنه لم يشر إلى المصدرين السابقين، "الجمهور" و"وطن يغرد خارج السرب".
5. اللافت أن الخبر نفسه، المنسوخ مرة بعد مرة، وحصراً عبر مواقع إخوانية إما تابعة أو مقربة من قطر، اعتمدت على الرواية نفسها، وهي تقرير منسوب لـ "القناة الإسرائيلية الثانية"، وبصرف النظر عن استهجان كثر لاعتماد جهة إسرائيلية بوصفها مصدراً، والترويج لمزاعمها على هذا النحو المريب، فإن الوقائع تؤكد أن الخبر من الأساس مفبرك، ولم تقم أيّ جهة إعلامية، إسرائيلية أو غيرها، بنشره، قبل هذه المواقع الإخوانية القطرية.
حملة الشهور الستة
الحملة كما قلنا لم تبدأ اليوم، بل قبل ستة شهور. ولعل العودة إلى بدايتها وأصلها تدلنا على حقيقة هذه الحملة وكيف تمّت إدارتها، وأيّ أدوات تمّ الاعتماد عليها. هنا أيضاً، ولمزيد من الوضوح سوف نعتمد التسلسل الزمني.
1. في 17 يناير (كانون الثاني) 2014 نشر موقع إخواني قطري باسم "المصريون" تقريراً يفيد بأن وزير الطاقة الإسرائيلي شالوم التقى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وخططا معاً لحرب على غزة بدعم وتمويل إماراتيين. وهو الخبر نفسه (مع تغيير المكان والأشخاص) الذي نشر اليوم.
2. مصدر خبر "المصريون" هو – للمفارقة – نفسه: القناة الثانية الإسرائيلية.
3. إلا أنه في ذلك الحين، وتحديداً في 18 يناير 2014، قام الباحث الفلسطيني المتخصص بالشؤون العبرية، والمقرب من حماس والإخوان، والذي يعمل اليوم مع الجزيرة والعربي الجديد التابعين لقطر، بالردّ على هذا التقرير عبر حسابه الخاص على فيس بوك، وقال حرفياً: "الخبر الذي نشرته بعض الوسائل العربية والفلسطينية حول تعهد الإمارات بتمويل حملة عسكرية إسرائيلية على غزة، وادعت نقله عن القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، مفبرك لا أساس له من الصحة..."، وأضاف النعامي في رده: "ليس كل من يريد أن يعبر عن موقف سياسي ما يلجأ لتقويل الإعلام الصهيوني ما لا يقوله.. هذا من جانب.. وهل يعقل أن تتطوع إسرائيل لنشر مثل هذه الأخبار، وهل إسرائيل إذا رأت أن من مصلحتها شنّ عمل عسكري على غزة، ستنتظر حتى تحصل على أموال الإمارات..".
6. على الرغم من مواصلة بعض المواقع الإخبارية، لاسيما الإخوانية منها، بتداول الخبر في ذلك الحين، إلا أنه سرعان ما تبدد وانتهى، خاصة بعد أن تكشف للجميع أنه نتاج فبركة صرفة وتقارير لا وجود لها أساساً.
فرصة متجددة
اليوم، ومع العدوان الإسرائيلي على غزة، وجدت الجهات نفسها، فرصة لتكرار السيناريو نفسه، وبث الشائعات المغرضة نفسها، ضد الإمارات، وبدلاً من أن تصبّ جهودها على دعم صمود الفلسطينيين في غزة، تحاول – إعلامياً – على الأقلّ – استثمار العناصر نفسها، مستخدمة للمفارقة الأدوات نفسها: لقاءات سرية إسرائيلية إماراتية، تمويل إماراتي للحرب على غزة، المصدر تلفزيون أو صحيفة إسرائيلية...إلخ.
وهنا لابدّ من طرح بعض الأسئلة البديهية:
هل تحتاج "لقاءات سرية" للتآمر على أيّ طرف، إلى مناسبة معينة، مثل مشاركة وزير الطاقة الإسرائيلي سيلفان شالوم بمؤتمر دولي في الإمارات (مناسبة فبركة الخبر الأول قبل 6 شهور)، أو اجتماع وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد بنظيره الأمريكي في باريس (مناسبة الخبر الثاني اليوم)، أم أنه ببساطة يمكن أن يلتقيا (ما دام اللقاء سرياً وما دامت العلاقات ودية إلى هذه الدرجة بينهما) في إطار من السرية في أيّ زمان ومكان؟
هل من الصدفة أن يقوم مضمون الخبرين على فكرة تمويل الإمارات لحرب إسرائيلية على غزة، بذريعة مناهضتها لتنظيم الإخوان المسلمين؟ وهل تحتاج إسرائيل إلى مثل هذا التمويل أو حتى التحريض، أم أن ما تحتاج إليه فعلاً هو الغطاء السياسي العربي، وهو الذي لم توفره الإمارات يوماً لإسرائيل، بل دأبت على إدانة عملياتها العسكرية ضدّ الفلسطينيين، معلنة دوماً وقوفها الصريح معهم، وهو ما لم تشذّ عنه السياسة الخارجية الإماراتية هذه المرة أيضاً.
هل من الصدفة أن يكون مصدر الخبرين، بفاصل 6 شهور بينهما، هو "القناة الإسرائيلية الثانية"؟ وهل يعقل أن تكون حتى لغة الخبرين هي نفسها.
هل يعقل أن تقوم "الجزيرة" بنشر خبر بهذه الخطورة، وفي مثل هذا التوقيت الحساس، دون التدقيق بالمصدر الذي استند إليه مصدرها؟ وهل تحتاج إلى موقع يعدّ صغيراً وتابعاً لها بالمعنى السياسي للكلمة، لكي تنشر مثل هذه المعلومات، أم لديها من القدرات ما يمكنها من الحصول على الخبر من مصدره الأصلي، أيّ القناة الإسرائيلية الثانية؟
وحتى في حال وجود خبر من هذا النوع، وهو كما ذكرنا، غير صحيح، فهل يعقل أن تتبناه وسائل إعلام خليجية وعربية، فقط لاستثماره في إطار معاركها السياسية، وهل تخوين بلد بأكمله هو نهج قطر الجديد في مواجهة خصومها أو من نصبتهم خصوماً لها؟
والسؤال الأكبر والأخطر يبقى: هل يمكن أن تنشر الجزيرة، خبراً على هذا القدر من الحساسية، ومن مصدر قامت هي نفسها بفبركته، دون العودة إلى القيادة السياسية في الدوحة؟ أم أن نشر الخبر هو في حدّ ذاته قرار سياسي، تعلن الدوحة من خلالها ضربها بعرض الحائط أيّ احتمال للالتزام ببنود وثيقة الرياض، وهو ما يفسّر الحملة الموازية التي يشنها مرتزقة قطر عبر تويتر ضدّ أفراد الهلال الأحمر الإماراتي الذين يقومون بمهمة إنسانية في غزة، إلى درجة تحريض البعض على قتلهم باعتبارهم "جواسيس" للإمارات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق