من سمحت له الفرصة وركب طائرة هليوكوبتر داخل القاهرة فسوف يلاحظ شيء غريب
هذا الشيء هوكراكيب أسطح البيوت المصرية
وأعني بالأسطح هو أعلى كل عمارة داخل البلد
يعني بمعنى اصح المقصود هو الرووف او "السطوح"
فلا تخلو أي عمارة من وجود سطوح
إلى هنا فالأمر طبيعي
لكن ما هو موجود في السطوح فهذا أمر غير طبيعي وصعب أن تجده في أي مكان آخر
فنحن عندنا هواية غريبة وعجيبة
هذه الهواية هي عشق الكراكيب !
فنحن نعشق الكراكيب وتجميع الأشياء التي لا فائدة منها و الأشياء القديمة وتجميعها في سطح العمارة
وإن لم يكن هناك سطح للعمارة أو أن السطوح خاص بصاحب العمارة فقط فسيتم تجميع الكراكيب الخاصة بالشقة إما تحت السرير أو أعلى
الدولاب داخل صناديق كبيرة الحجم أو تكويمها داخل البلكونة الخاصة بالشقة
المهم أن يوجد كراكيب وخلاص وعليك بوضعها في أي مكان داخل المنزل أو على سطوح العمارة
هذا لأن هناك عشرة عمر بينك وبين هذه الكراكيب
والأعجب من ذلك
أن هناك البعض منا من يملك اكثر من شقه
وبدلا من أن يستغلها في التأجير لتدير له عائد مالي -أو حتى يتركها فارغه- نجده يتركها فقط من أجل أن يقوم بتخزين الكراكيب و
الأشياء القديمة بها لسنين عده
وبالطبع هذا لسبب رهيب
فمن الصعب أن تتخلى عن التليفزيون الذي قمت باستعماله لمدة 25 سنه وأصبح الآن ُكهنه بسهوله
لأن هناك عشرة عمر بينك وبينه
فلا تستغني عنه
بل تتركه للذكرى الخالدة إما عندك في المنزل أو أعلى السطوح أو في شقة خاصة تليق به
هذا من منطق أن العشرة لا تهون إلا على أولاد الحرام
ويبدأ كل منا في عمل تكويم الأشياء القديمة أعلى السطوح
من موبيليات إلى لعب أطفال وأطباق وجرادل وأجهزة كهربائية وكراتين وزجاجات مياه غازية فارغة
وربما تكون مكسورة، لكن لا يمكن الاستغناء عنها
كل هذا يكون فوق السطح
ويكون هذا المكان ملائم جدا لتوفير مكان هادئ للفئران و الحشرات طول العام
وعمل زحمة لا فائدة منها داخل البيوت التي يعيش فيها البني آدميين بالعافية
بل ومن شده الفراغ الذي نعاني منه
نجد الكثير من الناس يقولون في وقت من الأوقات انهم يريدون الذهاب للشقة التي بها الكراكيب
لقضاء يوم كراكيبى بين مخلفات الماضي من أجل إعادة ترتيبها
ووضع الكراتين في ناحية
و الأواني و الملاعق في ناحية
و لعب الأولاد القديمة المكسرة في مكان أمين،
والألبوم اللي كان حمادة بيلصق به صور مسابقة لبان بم بم من 20 سنه
وشرائط الكاسيت و الفيديو التالفة منذ سنوات في مكان لكي يتعرف عليهم بسهولة فيما بعد
وبالمرة يشوف التليفزيون و الراديو اللي كانوا في جهازه عندما تزوج من 30 سنه ليسترجع الماضي الجميل!!
بل ويقف بعضهم وسط أولاده ويقول لهم بكل فخر:
"هذا الراديو المتكسر الذي كان في جهازي عندما تزوجت من أمكم"
وطبعا من المفترض أن ينظر له الأولاد ويقولون يا سلام، إيه الجمال ده
وطبعا أنت تعلم باقي الحوار
فيبدأ في ذكر محاسن الراديو أو التليفزيون القديم ويقول لأحفاده و أولاده أن هذا الجهاز لا مثيل له الآن
لأن حاجات زمان لا تعوض
ويبدأ الكل في فحص هذه الآثار اللى مش فرعونية التي جار عليها الزمان باهتمام شديد
ليس هذا فقط
بل قبل أن يغادر المكان الموجود فيه الكراكيب يجب أن يغلق جميع النوافذ و يغطيها جيدا من أجل أن لا يصيبها أي سوء وتبقى محفوظة
إلى ما شاء الله
لهذا فستجد أي سطح في أي عمارة بمصر عليه آثار الزمن الخاصة بالعائلة
وهذا بالطبع ليس كل شيء موجود فوق السطوح
فهناك أيضا القفص الكبير المليء بالحمام الذي يقف صاحبة يوميا قبل المغرب أعلى العمارة يطير الحمام وهو يقف يصًفر له ويمسك بعلبه
صفيح و كبشة ويضرب على العلبة الصفيح بكل قوة حتى يسمعه الحمام ويعود إلى مكانه بعد أن تركة ليتنزه قليلا في الهواء الطلق
فالعمارات الآن أصبحت متعددة الأغراض
منها سكن للبشر
وأعلى السطوح يوجد حديقة حيوانات بها مكان للحمام و الفراخ و الماعز، وبالطبع ستجد الفئران مكان لأكل العيش بجانب هذه الزريبة
وخرابة لكي تخزن فيها الكراكيب والأشياء التي لا تحتاجها وفي نفس الوقت يصعب عليك فراقها
بالفعل
ونعم السكن المتكامل
كذلك
فينا ناس لها اهتمامات عجيبة.. ومنهم هؤلاء الذين يفتحون صفحة الوفيات كل يوم للبحث عن حاجات أخرى غير تقديم واجب العزاء.. ناس
تبحث عن ورثة.. ناس تبحث عن أسماء عيال ماكانش معترف بيهم أو زوجات سريات.. وناس لها هواية البحث عن الكنوز المخبأة.. يعنى يفتح
الجورنال لينقض أسماء المتوفين ويتوجه فورا إلى منازلهم لشراء المخلفات والبقايا والحاجات..
وهؤلاء لديهم خبرة فى معرفة ماهية هذه الحاجات التى قد يكون تركها المتوفى خلفه ولا تفهم العائلة قيمتها.. كأن يتوجه أحدهم، مثلا
لشراء مكتبة المتوفى لمعرفته أن هذا الراحل كان نهما للقراءة وأن العيال اللى سابهم مش فاهمين قيمة هذه المكتبة.. أو يعرض شراء
دولاب ملابسه أو ملابسها.. أو أنتيكاته.. أو مذكراته.. أو سياراته أو ساعاته.. إلى آخر الحاجات القيمة التى يتركها الناس حين يرحلون..
ولكن هل كل البيوت بها أشياء قيمة؟.. طبعا لأ.. إلا أنها مملوءة بالحاجات.. كل الناس عندها أكوام من الحاجات.. كراكيب عجيبة.. على
الأرفف وفوق الدواليب وجوه الصندرة وتحت الكنب وفى البلكونة وفوق السطوح وتحت بير السلم وورا الباب.. بحيث تصبح حركتك داخل
بيتك صعبة لأنك بتعدى وتقفز وتتكعبل فى حاجات.. ودائما تلحقك صرخة زوجتك وأنت داخل الحمام مثلا.. خللى بالك ما تهبدش الباب جامد لا
المطبقية تقع على نافوخك!!!!.. مطبقية فى الحمام؟.. آه أصل مالقيتش حتة أحطها فيها لما جبنا المطبقية الجديدة فعلقتها فوق باب
الحمام.. وماذا فيها هذه المطبقية؟.. طقم حلل ماما الله يرحمها.. حلل ماما دى كانت نحاس واللى يشوفها دلوقتى يلاقيها مجنزرة ومصدية
وإيديها مقطمة والبارومة واكلاها.. فهل فكرت المدام فى التخلص منها؟.. لأ طبعا ده طقم حلل ماما..
ادخل أى بيت.. ستجد دخانيق مملوءة بحاجات عجيبة.. حاول تفنطها.. مثلا فردة قبقاب قديم.. إذا سألت صاحبها القبقاب ده بيعمل إيه
هنا؟.. حايبتسم فى عباطة ويتنهد ويقولك ياسلاااام ده ذكرى أول علقة بالقبقاب أخدتها من أمى.. كنت راجع م الحارة وجلابيتى ملغمطة
وهى لسه قايمة من على طشت الغسيل وأول ما شافتنى ملغمط كده راحت مطوحة القبقاب لبس ف حاجبى..
وتتوقف أنت أمام هذه الذكرى محاولا إيجاد أى مبرر لأن تتنهد معه موافقا.. ياسلاااام.. ذكرى تستأهل الاحتفاظ بهذا الأثر التاريخى المهم
فعلا.. يعنى بعد وفاة الأخ الرومانسى ده ممكن نعمل متحف لممتلكاته ومقتنياته.. فنضع هذا القبقاب وتحته كارت بيقول ذكرى أول أربع
غرز فى حاجب المرحوم.. ثم.. بسكليتة بتلات عجلات.. أول بسكليتة جبناها لحمادة.. حمادة دلوقتى عنده اتنين وخمسين سنة.. والبسكليتة
جلد مقعدها الفيران واكلاه.. ماهما شايلينها فى البلكونة.. ومقطومة ومضروبة بالنار..
إيه دى؟.. أول بزازة بتاعة وائل.. ودى إيه؟.. قصرية سوسو.. أصلى حالفة لما سوسو تتجوز وتخلف أقعد بنتها على قصرية أمها.. أيوه
بس سوسو طفت الشمعة الأربعين الشهر اللى فات وهى لسه فى كنفك.. مافيش عريس هوب ناحيتها عشان تخلفلك عيل يقعد عالقصرية.. مش
يمكن القصرية دى هى اللى نحست سوسو وقطعت رجلين العرسان؟.. وشايلة البستلة دى ليه يا مدام.. احتياطى.. مش يمكن البستلات تغلى
وما نعرفش نجيب غيرها.. ولكن ماذا تفعل البستلة فوق السطوح مادام مخرومة والقطط عاملاها مخبأ للولادة؟.. ودى بقى خيشة.. حبيت
أورى الولاد أثر تاريخى لوسيلة مسح الأرضية زمان عشان يعرفوا أنا تعبت قد إيه فى تربيتهم..
عالم من الكراكيب والحاجات.. ولو أرادت العيلة أن تعزل.. ستجد تفاصيل العزال مرهقة ومملة ويعطلها نقل الكراكيب هى هى.. ما تعرفش
بخل وشح واللا إيه.. مقشات قديمة وجراكن وجرادل وكراسى مكسرة ومراوح بايظة وستاير واكلاها العتة وضرف شيش وكور كوتش مقطعة..
يعنى خرابة صغيرة.. فإذا ركبت طيارة هليكوبتر ومريت على أسطح المنازل حا تلاقى جزر صغيرة من الخرابات لا ليها نفع ولا فايدة ولا
قيمة.. اللهم إلا زيادة نسل الفيران والعرس والقطط والتعابين.
ومع إننا شعب له تاريخ عريق وحضارة نتباهى بها قائمة على التوثيق والتراث إلا أننا فى العهود الحديثة نرمى الأشياء المهمة فى الزبالة
ونحتفظ بالحاجات اللى لا تودى ولا تجيب.. يعنى ممكن نقطع جورنال قديم مهم أو صفحة من يوميات لنمسح بها الزجاج.. ولكننا أبدا لا نفرط
فى قصرية سوسو.. وبالمقارنة بالأجداد الذين تركوا لنا الأهرامات والمعابد والمسلات.. إحنا بقى حا نسيب للأجيال المقبلة إيه؟؟؟؟؟؟؟؟..
قصرية سوسو..
وبما أننى مواطنة أحاول طوال الوقت أن أكون نافعة.. فإننى أتقدم إليكم بمشروع قومى يمكن نتلخم فيه ويطلع مفيد.. هل ممكن أن
تتصوروا حجم المواد المهدرة فى هذه الحاجات والكراكيب؟.. كم الصفيح والحديد والبلاستيك والجلد والزجاج والخشب والكاوتش الموجود
داخل البيوت وفى كل الأماكن التى قد ذكرت؟؟؟..
هل يمكن أن نتبنى مشروعا قوميا للروبابيكيا؟؟.. بحيث نقنع الناس تتخلى عن هذه البلاوى ونلم الحاجات دى ونعيد تصنيعها؟.. مش ثروة
قومية دى؟.. طب بلاش.. تعالوا نلم الكراكيب دى ونبيعها للصين.. يعيدوا هما تصنيعها وتصديرها لنا تانى.. ودول بقى ما بيغلبوش..
حايلاقونا مصرين نخلد ذكرى قصرية سوسو.. حا يصدرولنا قصرية سوسو وتوتو ولؤى وكل حاجة.. هو بس الأمل كل الأمل إننا نحاول نرتقى
فى نوعية مقتنياتنا فنستورد منهم بدلا من قصرية سوسو.. فسقية سوسو.. من باب الطراوة يعنى
ولا اية رايكم نصدرها لهم ويرجعوها لنا فى رمضان على شكل فوانيس جميلة واما تقدم عندنا نحطها
فى الكراكيب تانى وما خسرناش حاجة اهو كراكيبنا لسة عندنا
ولا اية رايكم انا عنى فكرة ظريفة
تيجى نعمل مسابقة اسمها كراكيبى احسن من كراكيبكم واللى يكسب ياخد كركوبة صغيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق