بحث هذه المدونة الإلكترونية

Powered By Blogger

السبت، 3 مايو 2014

الحدود المصرية السودانية




الحدود المصرية السودانية
 خريطة جمهورية مصر العربيه الصحيحه
[​IMG]
مثلث حلايب هي منطقة تقع على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر مساحتها 20,580 كم2. توجد بها ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وأبو رماد وشلاتين، المنطقة تتبع مصر إداريا بحكم الأمر الواقع  وهي محل نزاع حدودي بين مصر والسودان،ويطلق عليها أحيانا المنطقة الإدراية لحكومة السودان أو اختصارا (بالإنجليزية: SGAA) أغلبية السكان من إثنية واحدة من البجا وينتمون لقبائل البشاريين والحمدأواب والشنيتراب والعبابدة.
مركز شلاتين يتميز بالثروة السمكية، وتضم في الجنوب الشرقي جبل علبة، وكذلك تتميز بخصوبة أراضيها التي تعتمد في ريها على كل من المياه الجوفية ومياه الأمطار. يوجد بمدينة شلاتين خمسة قرى
    قرية أبو رماد: 125 كم جنوب مدينة شلاتين.
    قرية حلايب: 165 كم جنوب مدينة شلاتين.
    قرية رأس الحداربة: 22 كم جنوب قرية حلايب.
    قرية مرسى حميرة: 40 كم شمال شلاتين.
    قرية أبرق: 90 كم غرب قرية مرسى حميرة.




لعله يكون من قبيل تحصيل الحاصل التوكيد، بداية، على حقيقة أن الحدود الدولية لمصر تعتبر من أكثر الحدود الدولية استقرارا فعلى خلاف الحال بالنسبة للكثير من الدول، لم تشهد مصر أزمات حقيقية بشأن حدودها وذلك فيما عدا حالة النزاع الذى ثار فى منتصف عام 1981 مع إسرائيل فيما يتعلق بتحديد المسار الصحيح لخط الحدود المشترك بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، وهو النزاع الذى تمت تسويته من خلال اللجوء إلى التحكيم الدولى فى إطار ما عرف بقضية طابا ومع ذلك، وإضافة إلى حالة النزاع مع إسرائيل بشأن طابا وغيرها من بعض مواقع علامات الحدود الممتدة من ـ رفح ـ وحتى خليج العقبة، فقد كانت هناك الحالة الأخرى المتعلقة بالحدود الجنوبية لمصر والتى يثور النزاع بشأنها من حين إلى آخر مع السودان، وخاصة فى أوقات تأزم العلاقات بين البلدين والحق، أنه على الرغم من الدور الذى لا ينكر الذى اضطلعت به حكومة الثورة فى مصر منذ عام 1952 من أجل إتاحة الفرصة للشعب السودانى الشقيق لكى يقرر مصيره بنفسه وبالطريقة التى يريدها، وعلى الرغم من أن مصر قد حرصت على تضمين وثيقة اعترافها باستقلال السودان ما يشير إلى رغبتها فى ـ أن تستمر حكومة السودان فى رعاية الاتفاقات والوفاقات التى عقدتها دولتا الإدارة الثنائية نيابة عن السودان ـ إلا أن الحكومة السودانية التى تولت مسئولية الحكم فى أعقاب الحصول على الاستقلال سرعان ما فجرت أول أزمة فى العلاقات مع مصر، وهى الأزمة التى نشبت فى أوائل عام 1958 وعرفت بالنزاع المصرى السودانى بشأن الحدود أو أزمة حلايب ـ كما درج البعض على تسميتها ومنذ ذلك التاريخ فقد صار من المألوف أن يثور النزاع بين البلدين كلما تأزمت العلاقات بينهما،
 وغالبا ما يكون الجانب السودانى هو البادئ بتصعيد الموقف مثلما حدث فى أوائل العام الحالى (1992) حيث جرى تصعيد جديد للموقف بعدما تردد عن قيام الحكومة السودانية بمنح ترخيص للتنقيب عن البترول فى منطقة حلايب لإحدى الشركات الكندية، وهو الأمر الذى اعتبرته مصر ـ وبحق ـ افتئاتا على حقوقها السيادية فى هذه المنطقة فما هى الحجج أو الأدلة القانونية التى يستند إليها كل من الجانبين ـ مصر والسودان ـ لتسويغ تمسكه بأحقيته فى السيادة على منطقة حلايب، التى لا تكاد مساحتها تتجاوز 20 ألف كيلو متر مربع والتى شكلت منذ عام 1958 أساس النزاع المصرى السودانى على الحدود؟ الإجابة عن هذا السؤال هى الهدف الرئيسى للتحليل فى هذا البحث ومع ذلك، وحيث أن حجج كل من مصر والسودان فيما يتعلق بمسألة السيادة على المنطقة المتنازع عليها تستمد أساسا من الظروف التاريخية التى صاحبت نشأة خط الحدود المشترك بينهما، لذا فقد يكون من المفيد أن يبدأ التحليل بالإشارة إلى هذه الظروف وما ارتبط بها من تطورات ذات صلة بالحدود المشتركة بين البلدين وهكذا، تتحدد خطتنا فى معالجة الموضوع من خلال التركيز على نقطتين هما:
نشأة الحدود الجنوبية لمصر وتطورها عبر التاريخ والدعاوى القانونية التى يدفع بها كل طرف للتوكيد على أحقيته فى السيادة على المنطقة المتنازع عليها.


http://cdn.xlserv.slabnews.com/public/uploads/images/72677265759557484.jpgأ
ولا: نشأة الحدود الجنوبية لمصر وتطورها تاريخيا:
بداية، لا يكاد يوجد ثمة رأى واحد مجمع عليه لدى كل من الباحثين السياسيين والقانونيين والمؤرخين والجغرافيين بشأن الأصل الحقيقى لمواقع خط الحدود الجنوبية لمصر، ومع ذلك، فهناك من يرى أن حدودنا الجنوبية قد ظلت كقاعدة عامة فى مواقع تكاد تكون مطابقة أو قريبة من مواقعها الحالية أو إلى الشمال أو إلى الجنوب منها قليلا (1).
وقد استقر الوضع على هذا النحو فيما يتعلق بمواقع خط الحدود الجنوبية لمصر حتى أوائل القرن الماضى، وبالتحديد حتى عام 1820 حينما تمكن ـ محمد على ـ من فتح السودان ووضعه تحت لواء سلطته السياسية وقد ترتب على ذلك نتيجة مهمة مفادها أن الحدود المصرية قد عادت وامتدت جنوبا لتشمل الإقليم السودانى كله وكما هو معلوم تاريخيا، لم يجد السلطان العثمانى بدا من الاعتراف بسلطة الوالى المصرى على المناطق التى تم فتحها من جهة الجنوب وحسبنا أن نشير، فى هذا الخصوص، إلى الفرمان السلطانى الصادر فى 27 مايو 1866 والذى قضى باندماج السودان مع مصر فى ولاية عثمانية واحدة، وهو الفرمان الذى تلته عدة فرمانات أخرى حرصت جميعها على التوكيد ليس فقط على خضوع السودان للسلطة السياسية للوالى المصرى وإنما أيضا على عدم أحقية ولاة مصر فى التنازل عن أية امتيازات تكون قد أعطيت لهم سواء فى مصر أو فى السودان كما منعتهم من التخلى عن أى جزء من هذين الإقليمين أو حتى إبرام أية معاهدة سياسية بشأنهما (2).


 
والحق، أنه إذا كانت مصر قد اضطرت فيما بعد ـ وتحت ضغط الثورة المهدية ـ إلى إخلاء ـ مديريات ـ السودان فيما عدا مديرتى حلفا وسواكن، إلا أن هذا التراجع لم يكن سوى تراجع مادى مؤقت، وبالتالى فلم تترتب عليه أية آثار قانونية تتصل بوضع الحدود وليس أدل على ذلك من حقيقة أن بريطانيا نفسها قد ظلت تعترف باستمرار كون السودان لا يزال يشكل جزءا من مصر تحت السيادة العثمانية (3).
على أن الدبلوماسية البريطانية قد شرعت منذ هزيمة الثورة المهدية فى السودان فى بذل جهود مكثفة من أجل تقليص الحدود الجنوبية لمصر والعمل على الارتداد بها شمالا قدر المستطاع، وقد تحقق لها ذلك بالفعل بموجب ما عرف باتفاق عام 1899 فقد اضطلعت المادة الأولى من هذا الاتفاق بمهمة تعيين الحد الشمالى الذى يتوقف عنده شريان نظام الإدارة الثنائية فى السودان فطبقا لنص المادة المذكورة، اتفق على أن:
يطلق لفظ السودان فى هذا الوفاق على جميع الأراضى الكائنة إلى جنوبى الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض وهى:
أولا ـ الأراضى التى لم تخلها قط القوات المصرية منذ سنة 1882.
ثانيا ـ الأراضى التى كانت تحت إدارة الحكومة المصرية قبل ثورة السودان الأخيرة، وفقدت منها وقتيا ثم افتتحتها الآن حكومة جلالة الملك والحكومة المصرية، أو ثالثا ـ الأراضى التى قد تفتتحها بالاتحاد الحكومتان المذكورتان من الآن فصاعدا ـ والواقع، أن الخط الذى رسمه اتفاق عام 1899 لم تكن له وقت إنشائه أية دلالة قانونية أو سياسية سواء من وجهة نظر مصر أو طبقا لأحكام هذا الاتفاق ذاته، ذلك أن قيمته لم تتعد مجرد كونه خطا إداريا يفصل بين إقليميين يخضعان قانونا لسلطة سياسية واحدة هى سلطة والى مصر ويدينان بالولاء لسيادة واحدة هى سيادة الباب العالى، وذلك حتى عام 1914 عندما آلت هذه السيادة ونطاقها الإقليمى إلى مصر بالتطبيق لقواعد التوارث الدولى، وكذا بالتطبيق لأحكام معاهدة لوزان عام 1923 التى تخلت تركيا بموجبها عن كل حقوقها فيما كان يعرف قبل ذلك ـ بالولايات العثمانية ـ غير أن هذا الوضع قد تبدل تماما منذ الأول من يناير عام 1956 وهو تاريخ اعتراف مصر رسميا باستقلال جمهورية السودان، إذ منذ ذلك الحين فقط تحول هذا الخط ـ فى رأينا ـ ليصير حدا سياسيا دوليا بالمعنى القانونى وإضافة إلى هذه السمة الأساسية التى تميز بها خط الحدود الذى تم تعيينه بموجب اتفاق عام ـ 1899، وخاصة إذا ما قورن بخطى الحدود المصرية الشرقية (البرية) والغربية، فقد تميز الخط ـ المذكور بسمة أخرى مهمة تتمثل فى تلك التعديلات ـ الإدارية ـ التى أدخلت عليه خلال الفترة القصيرة التى تلت مباشرة عملية تعيينه، وهى التعديلات التى شكلت فيما بعد جوهر الخلاف بين مصر والسودان بشأن الحدود ويمكن القول بأن السبب ـ الظاهر ـ الذى كان وراء إجراء بعض التعديلات ذات الطبيعة الإدارية على خط الحدود بين مصر والسودان بعد تعيينه عام 1899، إنما يرد إلى الرغبة فى جمع شمل القبائل التى تعيش على جانبى الحدود وإخضاعها لنظام إدارى واحد ومعلوم، أن هذه القبائل تكاد تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين (4).
مجموعة قبائل البشارية التى يعيش الجانب الأكبر منها على الجانب السودانى من خط الحدود، ومجموعة قبائل العبابدة التى يعيش الجزء الأكبر منها داخل الإقليم المصرى (5).
وتحقيقا لهذا الهدف الظاهر أو المعلن، وكذا أخذا بعين الاعتبار ما آل إليه وضع مدينة حلفا بعد الاتفاق عل تعيين الخط الفاصل بين الإقليمين وبما يتمشى مع خط عرض 22 درجة شمالا، أدخلت التعديلات الآتية على الخط المذكور:
1 ـ فأولا: كان هناك التعديل الذى تم فى 26 مارس 1899، والذى أعاد النظر فى خط عام 1899 وبما يكفل عدم حرمان مدينة حلفا من امتدادها الزراعى الطبيعى من جهة الشمال وبما يسمح أيضا بعدم تقسيم المدينة وبعبارة أخرى، فقد امتد هذا التعديل بخط الحدود إلى جهة الشمال على حساب الإقليم المصرى ولصالح الإقليم السودانى والمسافة تبلغ نحو 25 كم وهناك، ثانيا، التعديل الذى تضمن الموافقة على إخضاع المنطقة الواقعة فى الركن الجنوبى الشرقى لمصر والملاصقة لساحل البحر الأحمر ـ والتى تعرف أيضا بمنطقة مثلث جبل علبة أو قطاع حلايب ـ للإدارة السودانية بهدف جمع شمل القبائل التى يعيش الجزء الأكبر منها داخل الإقليم السودانى (قبائل البشارية) وتشغل هذه المنطقة التى استثنيت من تطبيق الإدارة المصرية الخالصة عليها رقعة جغرافية واسعة تشكل ما يشبه المثلث المتساوى الساقين الذى تتمشى قاعدته ـ ويبلغ طولها نحو 300 كم ـ مع خط عرض 22 درجة شمالا، وطول كل من ضلعيه الشرقى (البحرى) والغربى (الصحراوى) نحو 200 كم .
3 ـ كذلك، فقد أصدر وزير الداخلية المصرى فى 4 نوفمبر 1902 قرارا آخر بشأن منطقة صغيرة تقع إلى الجنوب من خط عرض 22 درجة شمالا وتعرف بمثلث ـ جبل بارتازوجا ـ ، وذلك إعمالا لنفس المبدأ القائم على فكرة توحيد القبائل المنتمية إلى أصل واحد وحيث أن هناك جزءا من قبائل العبابدة يقطن هذه المنطقة، لذا فقد رؤى إخضاعها للإدارة المصرية والملاحظ، أن هذه المنطقة والتى تكاد مساحتها تقل عن نصف مساحة منطقة حلايب، تتوسط المسافة بين ساحل البحر الأحمر ومجرى نهر النيل، وهى تعتبر فقيرة إلى حد كبير بالمقارنة بالمنطقة السابقة.
ثانيا ـ حجج كل من الطرفين فيما يتعلق بالسيادة على المنطقة المتنازع عليها: أسلفنا القول بأن النزاع على الحدود قد شكل الخلاف الأول من نوعه بين مصر وحكومة السودان المستقل وقد كانت المناسبة الأولى التى أعلن فيها عن وجود نزاع بين البلدين بشأن الحدود فى أواخر يناير 1958، وذلك عندما بعثت الحكومة المصرية بمذكرة إلى حكومة السودان أشارت فيها ـ أى الحكومة المصرية ـ إلى أن قانون الانتخاب الجديد الذى أصدرته الحكومة السودانية توطئة لإجراء الانتخابات البرلمانية فى 27 فبراير 1958 قد خالف اتفاق عام 1899 بشأن الحدود المشتركة وذلك لإدخاله المنطقة الواقعة شمال مدينة وادى حلفا وكذا المنطقة التى تحيط بحلايب وشلاتين الواقعتين على ساحل البحر الأحمر ضمن الدوائر الانتخابية السودانية وقد طالبت المذكرة المصرية بحق مصر فى استرجاع هذه المناطق التى يقوم السودان بإدارتها شمال خط عرض 22 درجة شمالا (6).
وقد شكلت هذه المناسبة الأولى التى أعلن فيها عن وجود نزاع عل الحدود بين البلدين فرصة لكل طرف لعرض وجهة نظره وبيان الأسانيد القانونية التى يؤسس عليها مطالبه بشأن أحقيته فى السيادة على المناطق المتنازع عليها وبالذات منطقة حلايب كما أنها أتاحت الفرصة للباحثين للاجتهاد فى مناقشة هذه الأسانيد القانونية وبيان مدى صحتها والواقع، أنه منذ اللحظة الأولى بدا أن ثمة تناقض أساسى فى الموقف بين مصر والسودان فى هذا الخصوص ففى حين أصرت الحكومة السودانية على أنها هى فقط صاحبة السيادة تقل المناطق المذكورة والتى كانت قد وضعت تحت إدارتها منذ نحو ستين عاما ومن ثم فهى ـ أى الحكومة السودانية ـ التى يحق لها إدراج هذه المناطق ضمن دوائرها الانتخابية، نجد أن مصر قد دفعت ـ فى المقابل ـ بعدم قانونية هذه المطالب السودانية وأصرت بدورها على التوكيد على حقيقة أن واقعة استثناء المناطق المتنازع عليها هن الخضوع للنظام القانونى والإدارى المصرى ـ وإخضاعها بدلا من ذلك للإدارة السودانية ـ لا يمكن أن تنفى بحال استمرار بقاء هذه المناطق ضمن نطاق السيادة المصرية، فمجرد الإدارة لا توفر سندا كافيا بذاته للاكتساب السيادة على الإقليم.
1 ـ فيما يتعلق بالسودان:
تمسك السودان بحجج وأسانيد قانونية عديدة لإثبات أن المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 درجة شمالا قد صارت جزءا لا يتجزأ من الإقليم السودانى، وأنها من ثم لم تعد أرضا مصرية بل هى أرض سودانية خالصة ويمكن إيجاز أهم هذه الحجج وتلك الأسانيد فى الأتى (7).
أ ـ الحيازة الفعلية من جانب السودان لهذه المناطق، حيث أن السودان ممثلا فى دولتى الإدارة الثنائية ـ قد ظل يدير هذه المناطق منذ إجراء التعديلات الإدارية على خط الحدود الذى أنشأه اتفاق 19 يناير 1899 ويرى السودانيون أن السودان قد اضطلع من خلال هذه الحيازة الفعلية ـ وبواسطة دولتى الإدارة الثنائية ـ بمباشرة كافة أعمال السيادة التى تنهض دليلا حاسما يقطع بانتقال السيادة إلية فيما يتعلق بهذه المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 درجة شمالا ومن جهة ثالثة، فإن المستقر فى فقه القانون الدولى الحديث هو أن التنازل عن الإقليم لا يكون صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية إلا بموافقة الأطراف المعنية على ذلك صراحة.
د ـ وإضافة إلى ما تقدم، ينبنى الموقف المصرى على مقولة أن ادعاء السودان اكتسابه السيادة على المناطق الواقعة شمال خط عرض 23 درجة شمالا كنتيجة لإدارته لهذه المناطق فترة تزيد على نصف قرن، إنما هو ادعاء مردود عليه أيضا، وذلك لسببين:
أما أولهما، فيتصل بحقيقة أن فكرة التقادم التى يدفع بها الجانب السودانى ليس مقطوعا بصحتها تماما فى فقه القانون الدولى، بل إنها تكاد تكون فكرة مرفوضة لدى جانب غير محدود من هذا الفقه (14)، هذا فضلا عن حقيقة أن المدة الزمنية اللازمة لحصول هذا التقادم هى أيضا محل اختلاف وأما السبب الثانى، فمؤداه أنه حتى وإن كان التقادم يصلح سندا لاكتساب السيادة على الإقليم إلا أنه يشترط لكى يكون هذا التقادم مكسبا لحقوق سيادية توافر عدة شروط من أهمها (15).
أن يتم وضع اليد بصورة علنية وهادئة ومستمرة وأن تباشر الدولة التى تتمسك بهذا التقادم سلطاتها على الإقليم موضوع النزاع بصفتها السيادية وأن تظهر بهذا المظهر أمام الكافة ومعنى ذلك، أنه إذا كانت الدولة المذكورة قد أدارت الإقليم مثلا نيابة عن دولة أخرى تنازلت لها عن ذلك سواء بمقابل أو بدونه، فإن مثل هذه النيابة لا تجيز لها ادعاء اكتساب السيادة على هذا الإقليم حتى ولو طال أمد هذه الإدارة (16).


ه
ـ ـ كما ينبنى الموقف المصرى، من جهة أخرى، على فكرة أساسية مؤداها أن السودان ـ أو بالأحرى بريطانيا ـ لم يباشر إلا اختصاصات محدودة فى المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 درجة شمالا، وهى اختصاصات اقتضتها الضرورات العملية لحسن تنظيم شئون السكان على جانبى خط الحدود ويقينا، فإن هذه الاختصاصات لم ترق بحال إلى الدرجة التى تستحق معها أن تكتسب صفة أعمال السيادة فطبقا لما خلصت إليه محكمة العدل الدولية فى القضية المعروفة بقضية المعبد عام 1962، فإن مباشرة بعض الاختصاصات ـ حتى بفرض ثبوتها ـ لا تكفى بذاتها سندا لاكتساب السيادة على الإقليم (17).
و ـ ونضيف، من جانبنا، بأن مصر وحدها هى التى كان لها وجود ظاهر فى المنطقة الأكبر المتنازع عليها ـ ونعنى بذلك منطقة حلايب ـ وذلك على امتداد الفترة الزمنية التى تلت إجراء التعديلات الإدارية المشار إليها وحتى تاريخ استقلال السودان ولعل من أهم مظاهر هذا الوجود المصرى فى المنطقة المذكورة (18).
أولا، أن هناك شركة مصرية تعمل فى مجال استخراج المعادن فى هذه المنطقة وقد أنشئت هذه الشركة عام 1954 وعرفت بشركة علبة المصرية، وقد ظلت تباشر عملها حتى أدمجت عام 1963 فى شركة النصر للفوسفات والثابت، أن النشاط التعدينى فى المنطقة يعود تاريخه إلى عام 1915 تقريبا حيث كانت الحكومة المصرية هى التى تصدر التراخيص وتبرم العقود بشأن استغلال الثروة المعدنية فى تلك المنطقة بل الأكثر من ذلك، أن الحكومة المصرية، وهى تباشر سلطتها فى منح التراخيص، قد ذهبت إلى حد رفض الترخيص لبعض الشركات السودانية (19).


 
وثانيا، قد يكون من المفيد أن نشير هنا ـ وفى معرض التدليل على الوجود المصرى فى المنطقة المشار إليها ـ إلى ما ذكره أحد المسئولين البريطانيين السابقين فى مصر بشأن الوجود العسكرى المصرى فى هذه المنطقة ففى خطابه الذى بعث به إلى رئيس تحرير صحيفة التايمز اللندنية فى 26 فبراير ـ 1958 بمناسبة النزاع المصرى السودانى على الحدود، أشار مستر ستريتر SH Streeter إلى أنه كان قد استدعى للالتحاق بسلاح الحدود المصرى فى عام 1919 حيث طلب منه تولى قيادة كتيبة عسكرية فى منطقة حلايب ويضيف المسئول البريطانى المذكور، بأنه ظل فى المنطقة ـ وبصفته المشار إليها ـ حتى عام 1922 وهو تاريخ مغادرته مصر بل الأكثر من ذلك، أن مستر ستريتر قد أكد فى خطابه أيضا على حقيقة أن الخرائط والأطالس التى كانت تصدر فى ذلك الوقت، قد أشارت كلها إلى خط عرض 22 درجة شمالا باعتباره يمثل خط الحدود بين مصر والسودان (20) وثالثا، لا يفوتنا أيضا أن نشير ـ كدليل على الوجود المصرى الذى لم ينقطع فى المنطقة ـ إلى القرار الذى أصدره رئيس الوزراء المصرى فى 12 إبريل 1986 (القرار رقم 45) والخاص بإنشاء محميات طبيعية فى منطقة جبل علبة بهدف حمايتها لما تتميز به من مميزات طبيعية ومناخية خاصة (21).
وتقديرنا، أنه وإن كانت المطالب المصرية فيما يتعلق بمنطقة مثلث جبل علبة أو قطاع حلايب لها ما يدعمها من وجهة النظر المتعلقة بقواعد القانون الدولى ذات الصلة بطرق اكتساب السيادة على الإقليم، إلا أن الاعتبارات والروابط الخاصة بواقع وحقيقة العلاقات المصرية السودانية تقضى ولاشك، بضرورة معالجة النزاع على هذه القضية فى إطار يتوخى تحقيق المصلحة المشتركة للبلدين الشقيقين وبعيدا عن أية تدخلات خارجية.

ليست هناك تعليقات: