كنت أول ضابطة مصرية قدر لها أن تحارب في ساحات القتال
أول
امرأة مصرية منحت رتبة ضابط وحاربت في ساحات القتال تتحدث عن
حياتها وعن أحلامها ورؤيتها لمستقبل مصر. وبالمناسبة، تتحقق كل خطط هذه
المرأة العجيبة طوال حياتها لأنها قادرة بوصفها ضابطة فطريا على تحديد
أهدافها بصحة وعلى تنفيذها بدقة.
رب قائل يقول إن القدر هو الذي يساعدها. ولكن ليس كل الناس يساعدهم القدر. وهي محظوظة حقا.
-
أنا ابتسمات محمد عبد الله كريمة محمد بيك عبد الله من مواليد 1927، كان
دخولي إلى الجيش عبارة عن غيرة، حيث كان والدي ضابطا وأخوتي ضباط أيضا،
وأختي متزوجة لضابط، ولذلك انتابتني الغيرة، وكان لدي رغبة أن أتزوج ضابطا.
أنا
أحب التمريض بشكل عام لذلك قررت أن أدخل في مجال التمريض، وقد قرأت في
المجلة أنهم يريدون 75 متطوعة للدخول في القوات المسلحة من أجل الحرب في
فلسطين والتي بدأت عام 1948، فقررت أن أتطوع، وعندها أخبرت أختي التي قالت
لي أنت مجنونة، فقلت لها أنا أريد أن أتطوع في الهلال الأحمر من أجل أن
أتعلم التمريض، وقد ذهبت إلى الهلال الأحمر فرأيت نشرة كبيرة في الهلال
الأحمر يطلبون فيها ناس من أجل أن تدرس سنة، فتقدمت للدراسة في الهلال
الأحمر، وقد تعلمت فيه وتخرجت بعد سنة وحصلت على شهادة بالتمريض وأصبحت
ممرضة، وكنت فرحة جدا حينها كنا نسكن في عابدين. وعندما قرأت أن القوات
المسلحة تطلب 75 ممرضة فتقدمت، ومن ثم دخلت إلى لجنة الفحص في مستشفى "كبر
القبة" وكان المدير سعيد شاير وكانت الدكتورة ندى رشاد زوجة الدكتور يوسف
رشاد في اللجنة وقد سألتني ماذا يعمل والدك؟ وآنذاك كانوا لا يقبلون سوى
أبناء العائلات الراقية، وأجبتها أن والدي ضابط، وسألتني هل تستطيعين حقن
المرضى؟ أجبتها نعم، عندها قالت لي لا تذهبي، وكانت آنذاك الحرب جارية.
وقالت
لنا اذهبوا واستلموا ملابس، وأعطونا رتبا مباشرة، وكنا نعتقد أننا سنكون
جاويشا أو عسكرا، وقد منحونا رتبا عسكرية ابتداءا من رتبة ملازم حتى رتبة
رائد.
كيف كان موقف الرجال الضباط من أولئك الفتيات اللواتي ارتدين البزات العسكرية؟
كان
الناس يستغربون عندما يروننا في الشارع بلباس عسكري ورتبة ضابط، ولكنهم
سعداء، وكنت أشعر بالفخر بصراحة عندما كنت أداوم في المستشفى العسكري
ويرونني الناس، وقد كنت أشعر بالرجولة في ذاتي، لأنني كنت أقدم التحية
العسكرية وأسير بشكل عسكري بفخر، وكنت منذ صغري أشعر بالقيادة حتى في
عائلتي وبين اخوتي مع أنني كنت أصغر أخواتي واخوتي في العائلة.
وقد كنت أشعر بالاعتزاز الفخر أنني أصبحت ضابطا ولذلك صارت لدي رغبة بأن أتزوج ضابطا وأنا في الجيش.
وعندما
اجتمعت بنا الوصيفة بعد دخولي الجيش بخمسة أيام وأخبرتنا بأن الحرب بدأت
في فلسطين تشتد بقوة، وقالت لنا الوصيفة يلزمنا عشر متطوعات من أجل أن
يسافروا إلى غزة كي تداوين الجرحى، وكل موافقة وأهلها موافقون ترفع يدها،
وكنت أنا أول فتاة ممرضة ترفع يدها، ومن ثم كتبت أسماءنا نحن المتطوعات من
أجل السفر.
هل أنت إلى جانب خدمة النساء في الجيش؟
أنا
زعلت لأنهم لم يعلموني إطلاق النار، فلماذا نحن لم نكن متقدمين مثل البنات
المجندات اليابانيات والبريطانيات اللواتي يرتدين الزي العسكري، وواحدة
تمسك المدفع وأخرى تمسك البندقية، فيجب أن نظهر نحن أيضا ونمسك البنادق
والسلاح، وحتى يمكن أن نكون احتياطا في الحروب، أي فيذهب الشبان إلى
المقدمة وعندما يحتاجون يستدعوننا من الاحتياط.
ما الذي يمكنك أن تقوليه لهؤلاء الناس الذين يصيحون: الحكم العسكري إلى جحيم ؟
أنتم
الذين ترددون كلمة عسكر وهي جاءت من العهد العثماني التركي أيام زمان،
واليوم تقولون يسقط حكم العسكر، ولكن من سيحميكم إذا اسرائيل هجمت علينا،
واليوم ليبيا تريد أن تعتدي على حدودنا رغم أننا سابقا أدخلناها في الجحر
في عدة دقائق، واليوم العصابات الليبية تغتصب العائلات والمصريين الذين
يعملون في ليبيا ويعتدون عليهم ويسرقوهم ويخطفوهم ويطلقون عليهم الرصاص
الحي، فهذا عيب ومشين أن يصدر من دولة عربية جارة، ونحن نستطيع أن نفعل نفس
الشيء مع الليبيين الذين يعيشون عندنا هنا في مصر وأعدادهم كبيرة في كل
مكان، ولكن من يفعل ذلك فهو جاهل حتى لو حمل شهادات جامعية عليا.
يجب
أن نحافظ على جيشنا العريق منذ أيام الفراعنة وحتى يومنا هذا. ويجب أن
نتخلص من الاخوان المسلمين، وأريد أن أقول مبروك لمصر على هذا الرجل القمر
الذي ظهر فيها وهو المشير السيسي، وأقدم التعزية من كل قلبي لكل بيت فيه
شهيد إن كان عسكريا أو مدنيا أوشرطيا أو صحفيا أو إنسانا عاديا، وربنا يصون
مصر يحرسها وتعود مصرنا مصر أم الدنيا.
إبتسامات عبدالله
أول فتاة عربية تخدم فى الحروب وتحصل على مرتبة ملازم أول
هى
.. أول سيدة تشارك ميدانيا في الحروب العربية في عصرها الحديث، وكان ذلك
في حرب 1948، وهي أول سيدة مصرية تحصل على رتبة "ملازم أول" وهي أول سيدة
تحصل على نوط الجدارة والاستحقاق من أخر ملوك مصر "فاروق الأول" والذي
منحها ساعته الذهبية – لازالت تزين معصمها حتى اليوم – تقديراً لدورها
المشرف في تمريض مصابي حرب 1948م في المستشفى الميداني الذي أقيم خصيصا
داخل أحد المنازل فى مدينة غزة، لتضميد جراح جنود وضباط العمليات العسكرية
والفدائية في هذه الحرب.
السيدة
"الملازم أول ابتسامات محمد عبدالله" ، من أسرة وطنية عريقة، عمل معظمها
بالخدمة ، إما في الشرطة ، أو في الجيش الوطني.. والدها هو محمد بك
عبدالله، حاصل على لقب "البكوية" من القصر الملكي، كان يعمل كضابط مفتش
غفر بمديرية أسيوط ، برتبة" بكباشي" تعادل مقدم الآن، وهو مصري من الريف
مركز ميت غمر في دلتا مصر، أما الأم السيدة فاطمة فضل، فهي ابنة لسلطان
إقليم" الواو" في السودان،
تعلمت في
المدارس الابتدائية الفرنسية ، وإن كانت للأسف لم تكمل تعليمها العالي ..
وتعرفت على زوجها الضابط والرياضي محمد حبيب في سن مبكرة ، وتزوجت منه،
لتستقل بحياتها الجديدة ولم يشاء الله أن ترزق منه بأطفال ، الى أن جاءتها
الفرصة، حينما نشر إعلانا بالصحف عنوانه: " مطلوب متطوعات"، وكأنها تنتظر
هذه الفرصة النادرة، لتحقق حلمها في العمل التطوعي.
تقدمت
إلى مكان المقابلة، وكلها ثقة بالنفس.. ثقة زرعتها الأم والأب بداخلها،
وكانت الممتحنة لها هي " ناهد رشاد" وصيفة الملك ، والاسم الذي كان يتردد
همسا داخل القصر.. كانت ناهد رشاد في ذلك الوقت تحمل رتبة "صاغ" – رائد –
وهى التي تختار المتطوعات بنفسها.
· سألتها: عن أي المزايا كانت تركز ناهد في اختيارها لكم؟
·
قالت : كانت تبحث عن بنات العائلات، حتى يحسن معاملة الجنود ،
وأيضا كانت سمة ذلك العصر الاهتمام بالطبقة العليا.. وبنات الأصول.
· كم عدد الفتيات المتقدمات لتلك المهمة؟
· كنا 75 فتاة وسيدة أبدين رغبتهن – وهن من سيدات المجتمع الراقي – في أداء واجب التمريض والإسعاف لجرحي الميدان.
· وكم عدد الناجحات؟
·
7 فقط، كنت أنا الفتاة الأولى من بينهن – اختارونا بعد اختبارات
شاقة، وقد اشترت هؤلاء الفتيات ملابسهن العسكرية من مالهن الخاص.
ميدان حرب 1948
تميزت
عندما عملت بالتمريض في الميدان، أثناء حرب 1948 ، وبعد أن نقلونا بطائرة
عسكرية ذات محرك واحد، وكانت أول مرة يسمح فيها بالتحاق الفتاة المصرية
بالخدمة العسكرية، وكتبت عنا الصحف وأفردت لنا صفحاتها، وكيف أمضينا شهر
ونصف الشهر في تدريبها مكثفة، قبل أن يتم توزيعنا على الوحدات، حتى جاء
يوم 26 مايو من عام 1948 ، عندما استدعتني الصاغ ناهد رشاد، واختارتني
للسفر فورا – كما أشرت – إلى مستشفى غزة الميداني بفلسطين، عقب اندلاع
النكبة، وسافرت مع 12 طبيبا مصريا برئاسة ناهد رشاد ، وكانت رحلة الطيران
إلى العريش تنطوي على مخاطرة كبيرة ، ومن هناك استقلينا القطار، فضلا عن
أن رحلة العشرة أيام التي قضيناها بين الجرحي كانت عذابا ليس بعده عذاب،
فطوال النهار والليل نستمع إلى أنين الجرحي، وكثيرا ما يستشهد بعضهم ،
ويتم دفنهم إلى جوار المستشفى ، ولكني كنت أحضر لمرضاي" جرامفون "
وأسطوانات للمطرب المحبوب جدا وقتها عبدالعزيز محمود، ونجحت بالفعل في
التخفيف عن الجنود والضباط، ولذلك كنت محبوبة بينهم.. وأكثر ما آلمني صرخة
مجند جريح، أنا عايز أرجع الميدان علشان آخذ حقي وحق بلدي!
ساعة الملك فاروق
..
في أحد الليالي كانت تنام في سريرها بالمستشفى الذي تخدم به، عندما جاءها
مجند يوقظها وهو يرتعد، وعندما سألته ما الأمر؟ قال: جلالة الملك في
المستشفى، ولما كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا ، فإنها لم تصدق، وظنت
أن المجند وقعت له لوثة بسبب الأهوال التي يعيشها بين الحالات القاسية من
الجرحي داخل المستشفي.
ولكنها لم
تجد مفرا من استطلاع الأمر، فارتدت ملابسها العسكرية بسرعة ونزلت إلى
الطابق الأرضي المخصص لاستقبال المصابين، فيما الدور الثاني للعمليات،
والثالث كاستراحات لطاقم التمريض.
نزلت
لتجد نفسها وجها لوجه أمام الملك فاروق الأول، الذي كان يصطاد السمك في
مياه البحر الأحمر، ورأى أن يمر ليطمئن على أحوال جنوده المصابين، ويمنحهم
سمكة ضخمة اصطادها بنفسه، لم يروا مثلها من قبل ، وعندما سمع شهادات
اعجاب المصابين بالتمريض، وخصوا بالذكر الملازم ابتسامات منحها ساعته
الذهبية المدون عليها اسمه (كانت الساعة في يد السيدة ابتسامات وقت إجراء
هذا الحوار).
الرئيس اللواء نجيب
ومن
أصدقاء الملازم ابتسامات المقربين الرئيس الأول لمصر الراحل اللواء محمد
نجيب، الذي كان والده صديقا لوالد السيدة ابتسامات ، وجاءها كجريح في
مستشفى العجوزة على نيل القاهرة، فداعبها بقوله: أنت بتعملي أيه هنا؟
ردت الدعابة بمثلها: أنا مستنياك يا سيادة اللواء!
ثم
جاء إلى منزلها قبل الثورة بيومين، ومنحها حقيبة ضخمة، طالبا منها أن
تحفظها في منزلها – وكان صديقا لزوجها أيضا – ولكن شدد عليها ألا تحاول
فتحها ، لخطورة الأمر، وقال ليطمأنها: فيها أوراق نادي الضباط والحدود،
ومرة أخرى جاء إليها ليسترد الحقيبة الغامضة في لهفة، وفي صباح اليوم
التالي استمعت ابتسامات مع جماهير الشعب المصري إلى بيان قيام نجيب ورفاقه
بالثورة المصريةــ يوليو تموز 52ـ ، وكان اللواء محمد نجيب يثق جدا في
ابتسامات ، ويخصها بأسراره، ولكنه انقطع عنها في فترة توليه رئاسة مصر،
وإن كانت هي التي ذهبت إليه، تطلب منه أن يسأل عن شخص تقدم للزواج منها (
أصبح زوجها فيما بعد) وبالفعل طلب من معاونيه معلومات عن هذا الشاب، وبعدها
قال لها ده خطيبك برىء أكثر مني.!
ملحوظة:
كل من اقترب من اللواء محمد نجيب لمس فيه الروح المرحة وميله إلى
الدعابة، على الرغم مما تعرض له من مآسي ، كان أقساها على نفسه مصرع ابنه
"علي" خارج مصر.
وبعد تحديد اقامته
كان دائم التردد على منزل السيدة ابتسامات ، وكان يجب أن يأكل من يدها
الجمبري البانيه، ويلقي بتبغ غليونه على السجادة من باب الدعابة!
الرئيس عبدالناصر
وكان
من أصدقاء الأسرة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكان زوجها على علاقة
صداقة قوية به، وفي أحد أيام الجمعة ، كان زوجها يصلي في الجامع الأزهر،
وهناك فوجئ بالرئيس عبدالناصر من دون حراسة ولا مرافق، فأبدى زعره من ذلك،
خاصة أن المسجد كان ممتلىء عن آخره؛ أصر الزوج على لعب دور الحماية
للرئيس، حتى علم المشير عبد الحكيم عامر بالأمر، فجاء على وجه السرعة هو
والرئيس السادات في عربة جيب عسكرية ليكونا إلى جوار الرئيس عبد الناصر،
ومما زاد من قلقهم أن اكتشفوا أن بعض المصلين يحملون أسلحة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق