بحث هذه المدونة الإلكترونية

Powered By Blogger

الاثنين، 13 يناير 2014

وزارة الداخلية المفترى

 المقال دة انا كتبتة بعد يوم من الثورة

الأربعاء، 26 يناير، 2011


في الذكرى الـ 59 لعيد الشرطة
وزارة الداخلية المفترى عليها والتى لا يعرفها أحد

 
ربما تكون العلاقة الملتبسة بين الشرطة والشعب التى يغيب عنها الود والثقة, هى أبرز مظاهر الصورة الذهنية المترسخة، فى أذهان غالبية المواطنين فى مصر، عن وزارة الداخلية, بقياداتها وضباطها وأفرادها.
وربما يعزز من تلك الصورة الملتبسة التجارب اليومية السلبية لمعظم المواطنين, والتى تتمثل فى غياب الأمن بشكل ملحوظ فى الشارع, وفى اختناق الحركة المرورية, وفى كافة مظاهر عدم احترام القانون التى تتم جهاراً نهاراً أمام كافة أجهزة الشرطة أو منها فى بعض الأحيان.
كما يعزز من تلك الصورة ممارسات الفساد الكبرى التى تتم – عينى عينك – من تحت ذقن كل الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية, ولا تتدخل لمواجهتها وضبطها إلا بعد فوات الأوان.
كما تتأكد تلك الصورة؛ من خلال الخوف المتوارث لدى معظم المواطنين من دخول أقسام الشرطة, نتيجة بعض ممارسات استعمال القسوة أو التعذيب التى يموت بسببها بعض المواطنين داخل الأقسام, أو نتيجة تعدى بعض رجال الشرطة عليهم فى الطريق العام .
وربما تكون تلك الصورة ( الخارجية ) المترسخة لدى معظم المواطنين عن وزارة الداخلية, هى نتاج لتركيبة ( داخلية ) معقدة ومرتبكة يعانى منها جهاز الأمن فى مصر , بما ينعكس على مجمل مهام قياداته وضباطه وأفراده, ومن ثم على علاقته بالمواطنين.


وبالتالى؛ ينبغى الاقتراب كثيرا من تلك التركيبة الداخلية التى قد تساهم فى منح مزيد من الفهم عن السبب أو الأسباب؛ التى أدت لتلك العلاقة الملتبسة التى تفتقر إلى الود والثقة, بين المواطنين وبين وزارة من المفترض أن يكون دورها الأول وربما الوحيد هو تحقيق الأمن لدى هؤلاء المواطنين.
وساحاول فى السطور القادمة أن اعرض تلك التركيبة الداخلية, التى قد لا يعرفها إلا العاملين بوزارة الداخلية من ضباط وأفراد, والتى تتمثل فى الجوانب الآتية:
أولاً: الاستقرار المفقود (مكانياً – وظيفياً – مادياً)

بكل الأسف, فإن العمل بوزارة الداخلية يفتقر إلى الاستقرار على كافة المستويات, سواء المستوى المكانى ( الجغرافى ), أو المستوى الوظيفى, أو المستوى المادى ( المالى ).

- بالنسبة لعدم الاستقرار على المستوى المكانى:
فإن ضباط وإفراد الشرطة معرضون طوال مدة خدمتهم للنقل على مستوى الجمهورية, ويأتى شهر أغسطس من كل عام ليكون الكابوس والبعبع الذى يسمم عليهم حياتهم, ويحيل حياتهم إلى اكتئاب وعذاب, فذلك الشهر من كل عام يكون هو الشهر الذى يتم فيه إجراء الحركة العامة للتنقلات على مستوى وزارة الداخلية, ليجد رجل الشرطة نفسه وقد تم نقله فجأة إلى محافظة أخرى, ليترك بيته وأولاده وعائلته وكل مسئولياته وينتقل إلى مكان جديد, ويكون مطلوباً منه أن يتولى الإنفاق على بيتين بدلا من بيت واحد, ناهيك عن ابتعاده عن عائلته وقلقه الدائم عليها, وربما يكون ذلك مقبولاً لو كانت هناك حالة أمنية استثنائية فى البلد, ولكن للأسف يتم نقل الضباط والأفراد – بدون أى دواعى أمنية - من محافظة إلى أخرى, ليكون التشتت والقلق هو العامل النفسى المسيطر على الضباط والأفراد نتيجة افتقادهم لعنصر الاستقرار المكانى.

ورغم أن الوزارة فى عهد السيد حبيب العادلى وزير الداخلية, وضعت قواعد للتنقلات بشأن المحافظات التى توجد فى المناطق النائية, بحيث لا يستمر الضابط بها أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام, إلا أن المحافظات الأخرى التى توجد فى المنطقة التى يطلق عليها ( المنطقة الثانية ) مثل البحيرة وكفر الشيخ والشرقية .. إلخ, كل هذه المحافظات لا يوجد سقف محدد للبقاء فيها, والضباط المغضوب عليهم يتم معاقبتهم من خلال نقلهم إلى محافظات المنطقة الثانية, لكى يقضوا فيها مدد طويلة بعيداً عن محل إقامتهم الأصلى.

ويؤدى عدم الاستقرار المكانى إلى انعكاسات سلبية على الحياة الأسرية والعائلية للضباط والأفراد, بل ينعكس مباشرة على صحتهم أو حياتهم, فعدد كبير من الضباط والأفراد يصاب بأمراض الكبد, نتيجة اضطرارهم خلال فترة نقلهم للمحافظات النائية أو المناطق الريفية, إلى تناول وجبات غير صحية مما يزيد من احتمال إصابتهم بأمراض وبائية, كما أن عدد كبير من الأفراد يلقون حتفهم تحت عجلات القطارات أو فى حوادث الطرق السريعة؛ أثناء انتقالهم من محافظاتهم إلى المحافظات التى يعملون بها. ناهيك عن التفسخ الأسرى والعائلى الذى ينعكس بلا شك على المجتمع ككل.

- بالنسبة لعدم الاستقرار على المستوى الوظيفى:
فإن ضباط وأفراد الشرطة فى مصر يتم تشغيلهم بمنطق ( أهو كله أمن ), فتجد الضابط أو فرد الشرطة ( كمثال) يعمل فى مديرية أمن بأحد أقسام الشرطة, ثم يتم نقله للعمل بمصلحة السجون, ثم يتم نقله للعمل بشرطة السياحة, ثم للعمل بالأحوال المدنية, ثم للعمل بشرطة الكهرباء, وبالتالى لا يوجد استقرار وظيفى يتيح لرجل الشرطة تحقيق تراكم للخبرة فى مجال معين, بما ينعكس على كفاءة الأداء الأمنى.

وليتصور معى القارئ حال ضابط أو فرد الشرطة الذى يعمل اليوم بمصلحة السجون مع المجرمين والقتلة وتجار المخدرات, ثم يتم نقله للعمل بمصلحة الأحوال المدنية لكى يتعامل مع المواطنين راغبى استخراج البطاقات والوثائق الحكومية الأخرى.

وهكذا يتم افتقاد الاستقرار الوظيفى الذى يبنى خبرة أمنية متراكمة فى أحد التخصصات الأمنية, فما دام رجل الشرطة على يقين من حتمية نقله إلى تخصص آخر ؛ فبالتالى لن يجهد نفسه لإتقان أى تخصص طالما لن يستمر فيه.

- بالنسبة لعدم الاستقرار على المستوى المادى ( المالى):
فربما تكون وزارة الداخلية من الجهات القليلة فى مصر التى تتفاوت الأجور داخل قطاعاتها بصورة مثيرة للدهشة, فالضباط والأفراد والعاملين المدنيين بمديريات الأمن – وهم الكثرة – يتقاضون الراتب الحكومى المقرر بمعرفة الدولة, بينما الضباط والأفراد والعاملين المدنيين بالجهات الآتية : شرطة الكهرباء – مباحث التهرب الضريبى – شرطة النقل والمواصلات – حرس الجامعة – مصلحة الجوازات – المرور – مصلحة الموانى – الأمن المركزى – مباحث امن الدولة – أكاديمية الشرطة – مركز بحوث الشرطة, كل العاملين بتلك الجهات يتقاضون رواتب كبيرة تصل إلى الضعف أو الضعفين أو أضعاف مضاعفة لما يحصل علية أقرانهم فى مديريات الأمن.

والمثير للدهشة والاستغراب؛ أن من يعمل أكثر فى وزارة الداخلية يحصل على مرتب أقل, ومن يعمل أقل يحصل على المرتب الأكبر.

وبالتالى فلنتصور معاً ضابط شرطة يعمل اليوم بجهة ما يحصل فيها على مرتب كبير, فيقوم بترتيب حياته ومسئولياته على أساس هذا المرتب, ثم يتم نقله إلى مديرية أمن فتنقلب حياته نتيجة انخفاض راتبه.

ورغم أن السيد حبيب العادلى وزير الداخلية منذ أن تولى وزارة الداخلية, قام بسن سنة حميدة تتمثل فى صرف حوافز كل شهرين وحوافز فى المناسبات الدينية والقومية, يتم توجيه الجانب الأكبر منها لمديريات الأمن, إلا أن التفاوت فى المرتبات مازال كبيراً, كما أن الحوافز التى يتم صرفها لا يمكن الاعتماد عليها لترتيب الالتزامات المعيشية لضباط وأفراد الشرطة , لأنها غير ثابتة فى القيمة وغير مضمون استمرارها.

وبالتالى, ونتيجة لكافة تلك الصور من عدم الاستقرار, كيف يمكن لضباط وأفراد الشرطة الفاقدين لذلك الاستقرار, أن يمنحوه لباقى المواطنين, ففاقد الشئ لا يعطيه, ورجل الشرطة المشتت مكانياً ووظيفياً ومادياً ونفسياً وعائلياً, لا يمكنه بالضرورة وبحكم المنطق, أن يكون عامل قوى فى معادلة الأمن, التى بلا شك تدهورت كثيرا نتيجة كل تلك الدوائر المتداخلة من عدم الاستقرار .

ثانياً: معايير التشغيل (القهر الوظيفى)
تتضمن علوم الإدارة الحديثة مصطلحاً هاماً اسمه ( الرضا الوظيفى), وهذا المصطلح يمكن فهمه من خلال معادلة رياضية بسيطة جداً كالآتى: الرضا الوظيفى = حقوق الموظف ( مقسومة على ) واجبات الموظف, ولا يتحقق الرضا الوظيفى إلا عندما تتساوى نسبة الحقوق مع الواجبات, أى عندما تصبح العلاقة بين الحقوق والواجبات متوازنة. ولكن لو زادت نسبة الحقوق عن نسبة الواجبات, فإن ذلك يؤدى إلى علاقة يتم تسميتها ( التسيب الوظيفى ), أما إذا زادت الواجبات عن الحقوق, فإننا سنكون فى ظل علاقة يتم تسميتها ( القهر الوظيفى ).

وللأسف فهذه هى العلاقة التى تحكم العمل فى أغلب قطاعات وزارة الداخلية, فالقهر الوظيفى هو السائد وهو القانون, حيث يتم تكليف ضباط وأفراد الشرطة بكم هائل من الواجبات التعجيزية, فى مقابل اهتمام ضئيل بالحقوق.

وليتصور معى القارئ, حال ضابط الشرطة الذى يعمل فترتين فى اليوم, فترة صباحية وفترة مسائية, ومطلوب منه الحضور إلى العمل صباحاً فى تمام الساعة الثامنة, ويتم إلغاء راحته الأسبوعية لو حدثت أى أحداث أمنية على مستوى الجمهورية, وإلغاءها فى المناسبات الدينية والقومية, ولن أبالغ إذا قلت بأن ضباط وأفراد الشرطة تقريباً لا ينامون, فساعات العمل التى تصل الى 14 و16 ساعة فى اليوم, وتتضمن معظمها أعمال خطيرة أو يترتب عليها نتائج خطيرة, تجعل رجل الأمن مستهلك نفسياً وجسدياً ونافذ الصبر.

ورغم أن ضابط الشرطة يحق له الحصول على ما مجموعه 45 يوماً إجازة سنوية على مدار العام, إلا أن حصول الضابط على أسبوع أو أسبوعين على الأكثر فى العام هو الأمر السائد.

وهذا يوضح بأن معايير تشغيل ضباط وأفراد الشرطة فى مصر, تتناقض مع معايير التشغيل العالمية. وبالطبع لا يمكن المجادلة بأن جهاز الأمن له طبيعة خاصة, لأن نظام العمل به لا يمكنه التوقف مثل بعض القطاعات الأخرى فى الدولة, ولكن هذا الاستمرار يقتضى توزيع العمل على ضباطه وأفراده وفقاً لنظام الورديات أو النوبتجيات, بحيث لا تزيد مدة التشغيل فى اليوم الواحد عن 8 ساعات, وبمقابل مادى عادل, يتناسب مع الأخطار التى يتعرض لها رجل الأمن.

وربما لن يصدقنى القارئ عندما أقول, بأنه لكى تتوافق معايير تشغيل ضباط وأفراد الشرطة فى مصر مع معايير التشغيل العالمية, فإنه ينبغى زيادة عدد ضباط وأفراد الشرطة إلى الضعف أو الضعفين, لمواجهة الأعباء الأمنية المتزايدة.

وبالتالى لا يمكن لوزارة الداخلية أن تحقق مستويات عالية من الأداء الأمنى, فى ظل علاقة القهر الوظيفى التى يتعرض لها الضباط والأفراد. فالحقوق المهضومة تجعل أصحابها غير مبالين بحقوق الآخرين.

ثالثاً: هيئة مدنية (لا عسكرية أو شبه عسكرية)
ينص الدستور فى مادته رقم ( 184 ) على أن ( الشرطة هيئة مدنية نظامية ). وقد يحلو للبعض أن يقول بأن كلمة نظامية تعنى أن الشرطة هيئة شبه عسكرية, ولكن ( الفصل السابع ) من الدستور المصرى يقصر الصفة العسكرية أو شبه العسكرية على القوات المسلحة ( الجيش ). ويأتى (الفصل الثامن ) فى الدستور لكى يصف هيئة الشرطة بأنها هيئة مدنية نظامية, بما يعنى أنها ليست عسكرية أو شبه عسكرية.

وللأسف فإن الطبيعة النظامية لهيئة الشرطة جعلت بعض المتعسكرين يحاولون صبغ الشرطة بالصبغة العسكرية, مما أدى إلى أن تفقد الشرطة صفتها النظامية, بينما لم تكتسب من العسكرية إلا تقاليد لا تتلاءم مع الطبيعة المدنية لعمل رجل الشرطة.

وربما يكون السبب الذى أدى إلى تصاعد الطبيعة العسكرية داخل صفوف هيئة الشرطة بمصر, يعود إلى فترة محاربة الإرهاب فى الصعيد, حيث كانت قوات الشرطة تخوض حرباً حقيقية ضد الجماعات الإرهابية, مما أدى إلى صعود نجم القيادات والضباط والأفراد المتعسكرين, الذين حافظوا على التقاليد العسكرية رغم انتهاء فترة الإرهاب. وبالتالى أصبح الكثير من العاشقين للصبغة العسكرية أو لـ(الميرى) يتعاملون مع مرؤوسيهم بمنطق جبهة القتال الحربية, وأصبح تعبير (العسكرية الوارمة) هو السمة الغالبة على الكثير من الرؤساء والقيادات بجهاز الشرطة فى تعاملهم مع مرؤوسيهم, وياويل يا سواد ليل من يكون رئيسه من هذه الفئة العاشقة للعسكرية.

وللأسف ياليت هذه العسكرة لجهاز مدنى تقف عند حدود العاملين فيه, ولكنها فى الغالب تمتد الى المواطنين, بما يؤدى بضباط وأفراد الشرطة المتعسكرين إلى التعامل مع المواطنين وكأنهم مواطنين تحت الاحتلال ليس لهم حقوق.

وبالتالى فإن التأكيد على الطبيعة المدنية لهيئة الشرطة, أمر لا يخص ضباط وأفراد الشرطة فقط, بل يمتد لكى يخص المجتمع كله, باعتباره عامل أساسى لضمان التطور الديمقراطى فى مصر. فالمجتمع ليس جبهة قتال, والمواطنون ليسوا أعداء, وجهاز الشرطة ليس سلطة احتلال. وفقط التأكيد على الصفة المدنية لهيئة الشرطة هو الذى يضمن التأكيد على كل تلك القيم.

رابعاً: نقابة لضباط وأفراد الشرطة
يكفل الدستور حق التنظيم لأى فئة مهنية فى المجتمع بموجب نص المادة رقم ( 56 ) التى تنص على أن: (إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون ). وأعتقد بأنه آن الأوان لكى يكون لضباط وأفراد الشرطة فى مصر نقابتهم, فقانون الشرطة يعانى من عدم التوازن بشكل كبير بين الواجبات الملقاة على عاتق الضباط والأفراد والعاملين المدنيين, وبين الحقوق المكفولة لهم. وللأسف لن تتاح القدرة على تغيير هذا القانون بصورة تلبى متطلبات رجال الشرطة, إلا إذا تم ذلك من خلال نقابة تدافع عن حقوقهم وتنظم واجباتهم.

وللأسف فإن قانون الشرطة فى مادته رقم ( 71 ) يتعامل مع ضابط الشرطة من بعد رتبة ( العقيد ), وكأنه يعمل بعقد يمكن تجديده أو إنهاءه كل عامين, ثم تتقلص المدة من بعد رتبة ( العميد) لكى تصبح كل عام, بحيث يتم تقييم الضباط من بعد رتبة العميد ورتبة اللواء كل عام, لكى يتم مد خدمتهم لمدة عام آخر, أو إنهاء خدمتهم بنظام المعاش المبكر. وبالتالى أصبح هذا النظام بمثابة سيف مسلط على رقبة الضباط لكى يرضخوا للتعليمات أو نظم التشغيل مهما كانت تعسفية أو تخالف القانون, خوفاً من الخروج إلى المعاش المبكر, الذى يجعل ضابط الشرطة، وهو فى منتصف الأربعينات من عمره، مطالب بأن يبدأ حياة وظيفية جديدة.

بالإضافة إلى ذلك فإن قانون الشرطة يتعامل مع أفراد الشرطة، وليس الضباط، معاملة غير منصفة على الإطلاق, لأن المادة رقم ( 99 ) من قانون الشرطة تجعل أفراد الشرطة يخضعون فى كل ما يتعلق بأعمال خدمتهم بالشرطة إلى قانون الأحكام العسكرية. وهكذا يمكن حبس فرد الشرطة عند تقصيره فى واجبات وظيفته بدلاً من مجازاته إدارياً, وبالتالى أصبح هذا النظام بمثابة سيف مسلط على رقبة أفراد الشرطة لكى يرضخوا لنظم التشغيل التعسفية أو التعليمات المخالفة للقانون.

وللأسف فان محاكمة أفراد الشرطة وفقاً لقانون الأحكام العسكرية يخالف الدستور مخالفة جسيمة, باعتبار أن الدستور ينص على أن الشرطة هيئة مدنية, و بالتالى لا يجوز محاكمة أفرادها إلا أمام القاضى الطبيعى طبقا لنص المادة رقم ( 68 ) من الدستور التى تنص على أن: ( لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى ), وبالتأكيد فإن القاضى الطبيعى هنا هو مجالس التأديب أو المحاكم المدنية وليس العسكرية.

لهذا؛ فإن وجود نقابة تدافع عن حقوق ضباط وأفراد الشرطة , سيؤدى إلى وجود جهة تدافع عن حقوق ضباط وأفراد الشرطة فى مواجهة وزارة الداخلية. الأمر الذى يصب فى مصلحة العملية الأمنية ككل؛ لأن ضابط وفرد الشرطة الذى تسانده نقابة للدفاع عن حقوقه ؛ لن يجد نفسه مرغما على تنفيذ أية تعليمات تخالف الدستور والقانون؛ لأنه يعلم بأنه لن يقف منفرداً فى مواجهة وزارة الداخلية فى حال مساءلته أو محاولة التضييق عليه . وبالتالى؛ فقد آن الأوان لمطالبة كل القوى الحقوقية والأحزاب بوجود نقابة لضباط وأفراد الشرطة.

خامساً: المركزية
ربما تكون المركزية الشديدة أحد العيوب الجسيمة التى يعانى منها جهاز الأمن فى مصر, وإذا نظرنا إلى نظام أجهزة الشرطة فى الولايات المتحدة الأمريكية ( كمثال ) باعتبارها دولة فيدرالية, ستجد الشرطة فيها محلية بمعنى أن كل ولاية لها جهاز شرطتها المحلى, والذى يخضع لحاكم الولاية. ويوجد جهاز واحد له سلطة مركزية فيدرالية على كل الأراضي الأمريكية يتمثل فى جهاز الـمباحث الفيدرالية( FBI ) الذى يمارس سلطاته فيما يتعلق بالجرائم ذات الطبيعة الفيدرالية.

وفى اعتقادى أن التحول بجهاز الأمن فى مصر من المركزية الشديدة إلى المحلية, سيؤدى إلى تفرغ أجهزة الأمن للمشاكل الأمنية المحلية , بحيث تفرض كل محافظة أجندتها الأمنية من واقع المشكلات الأمنية القائمة بها, بدلاً من أن تفرض وزارة الداخلية أجندتها الأمنية على عموم الجمهورية رغم تمايز المشكلات الأمنية من منطقة إلى أخرى, مع السماح بوجود جهاز واحد فقط له اختصاص عام على عموم الجمهورية يشبه المباحث الفيدرالية الأمريكية, يتولى متابعة الظواهر الإجرامية التى تفوق قدرات أجهزة الشرطة المحلية.

وليس ما أقوله فذلكة نظرية, باعتبار أن البعض سيرد بأن مصر ليست دولة فيدرالية, ولكن الفرع الثالث من الفصل الثالث من الدستور المصرى عنوانه : الإدارة المحلية, وتنص المادة 161 من الدستور على الآتى : ( يكفل القانون دعم اللامركزية .. ). وبالتالى ليس ما أقوله فذلكة نظرية لأن بالفعل هناك شكوى عامة فى جميع المحافظات المصرية من تراجع التواجد الأمنى فى الشارع, وذلك لعدة أسباب: أولها, أن هناك عجز مستمر فى عدد أفراد الشرطة نتيجة انخفاض عدد المتطوعين من الأفراد للعمل بجهاز الشرطة, بسبب ضعف المرتبات وعدم الاستقرار المكانى. وثانيها, أن الضباط أو الأفراد الذين يتم نقلهم إلى محافظات لا يقيمون فيها, يمارسون عملهم الأمنى باعتبارهم طارئين على هذه المحافظات وليس لهم مصلحة فى استتباب الأمن بها.

وبالتالى فإن نظام الشرطة المحلية الذى يضمن تعيين ضباط وأفراد فى المحافظات المقيمين بها, كفيل بتحقيق استقرار مكانى و تكوين مصلحة لدى رجال الأمن تحفزهم على تحقيق الأمن فى موطنهم الأصلى الذى يضم عائلاتهم وأصدقائهم و مصالحهم .. إلخ .

سادساً: الدولة البوليسية
يتردد هذا المصطلح كثيرا فى أوساط المثقفين , وهو أن مصر دولة بوليسية , وربما يسمع المواطن العادى ذلك المصطلح ولا يفهمه , لأن الواقع المنظور يقرر بأن مصر دولة عسكرية باعتبار أن رئيس الجمهورية يخرج من بين صفوف الجيش منذ عام 1952م. ولكن الواقع المعاش بالفعل يؤكد بأن مصر دولة بوليسية بكل جدارة, باعتبار أن الدولة البوليسية هى الدولة التى توجد فيها المظاهر الآتية:

- هى الدولة التى يتم ترك معظم المشكلات فيها سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية؛ لكى تتفاقم حتى تتحول إلى مشكلات أمنية, ثم يتم استدعاء الأمن للتدخل ومواجهتها بحلول أمنية.

- وهى الدولة التى يتم فيها ربط الترشح للمناصب الهامة, بناء على موافقة الجهات الأمنية, حتى لو لم يتم النص فى القوانين على ذلك.

- وهى الدولة التى يتم تخصيص نسبة كبيرة فيها من المناصب الحكومية والسياسية لرجال الأمن.

- وهى الدولة التى تسند بعض الأنشطة غير الأمنية إلى الأجهزة الأمنية.

وإذا طبقنا كل ذلك على ما يدور فى مصر, فإنها ستكون، وبكل الأسف، دولة بوليسية بإمتياز .

ومن منطلق الدولة البوليسية يتم تكليف وزارة الداخلية بأعباء غير أمنية, تؤدى إلى التأثير بالسلب على مهامها الأمنية الأساسية, مثل إشراف وزارة الداخلية على التنظيم الكامل لحج القرعة, رغم وجود وزارة كاملة للأوقاف ورغم وجود مشيخة الأزهر, وهما الجهتان الأحق للقيام بأعباء هذا الشأن الدينى. ومثل إشراف وزارة الداخلية على مصلحة الأحوال المدنية, رغم وجود وزارة للتنمية الإدارية, هى الأولى بأن تتولى شأن استخراج كافة الوثائق المدنية للأفراد. ومثل إشراف وزارة الداخلية على مصلحة الجوازات, التى تتولى استخراج جوازات السفر, رغم وجود وزارة الخارجية التى يدخل هذا الأمر ضمن دائرة نشاطها الأصيل. ومثل إشراف وزارة الداخلية على الحرس الجامعى, رغم وجود وزارة للتعليم العالى يمكنها الإشراف على ذلك من خلال شركات أمن خاصة.

ناهيك عن ترك كل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية فى مصر لكى تتفاقم حتى تتحول إلى مشكلات أمنية, فيتم استدعاء وزارة الداخلية بحشودها من عساكر الأمن المركزى, لكى تتدخل لإنهائها شكلياً ومرحلياً وليس موضوعياً.

بالإضافة إلى ما نشاهده فى مصر من إسناد المناصب الإدارية فى المحليات لقيادات الأمن السابقين, مثلما يحدث فى رئاسات الأحياء على مستوى محافظات الجمهورية ورئاسة الإدارات المسئولة عن المواقف والنظافة .. إلخ .

وبالطبع لا يمكن أن نتناسى الربط بين موافقة الجهات الأمنية ( أمن الدولة) وبين الترقى والترشح للمناصب الهامة فى الدولة بكافة مرافقها القضائية والتعليمية والاقتصادية .. إلخ.

وبالتالى تمثل وزارة الداخلية فى أى دولة بوليسية العصا الغليظة للسلطة , والوجه القبيح لها , والبلطجى الذى يتصدى للمشاكل المحيطة بسيده. وهو دور بالطبع لم ينص عليه الدستور فى مادته رقم 184 عندما أشار إلى الدور المنوط بهيئة الشرطة أو جهاز الأمن فى المجتمع.

سابعاً: منصب وزير الداخلية
مع الاحترام والتقدير للسيد وزير الداخلية وكافة وزراء الداخلية السابقين باعتبارهم رجال أمن محترفين, إلا أن ثمة وجهة نظر لها احترامها, ترى بأنه حان الوقت للتفكير فى إمكانية أن يتولى وزارة الداخلية (وزير سياسي) من خارج هيئة الشرطة, وذلك لكى يتم التعامل مع القضايا الأمنية بمنظور مجتمعى, بحيث تتقيد وزارة الداخلية بأجندة المجتمع وأولوياته الأمنية, بدلاً من أن تفرض الوزارة أولوياتها الأمنية على المجتمع.

ولعل وجود وزير سياسى من غير رجال الأمن على قمة وزارة الداخلية سيساهم فى تحسين العلاقة المتوترة فى مصر بين الشرطة والشعب. لأن الوزير هنا سيتعامل مع الشعب بمنطق المواطن وليس منطق رجل الأمن.

وبالتالى فان كل ما أوردناه من نقاط يوضح بأن التركيبة الداخلية التى تنتظم وفقا لها وزارة الداخلية, بكل ما تحمله تلك التركيبة من عدم استقرار على المستوى المكانى أو الوظيفى أو المادى. أو بما تفتقر إليه تلك التركيبة من معايير للتشغيل تنحدر بمعايير الرضى الوظيفى بها إلى مرحلة القهر الوظيفى, نظراً لابتعادها كثيرا عن معايير التشغيل العالمية . أو بما فقدته هذه التركيبة من صبغتها المدنية التى نص عليها الدستور لكى تستبدلها بصبغة عسكرية مقيتة تتناقض مع مقتضيات التعامل مع المجتمعات المدنية. أو بما تفقده هذه التركيبة من إتاحة حق التنظيم المهنى أو النقابى لضباطها وأفرادها بما يعطيهم حق الدفاع عن حقوقهم, الأمر الذى يحفزهم للقيام بوظيفتهم فى الدفاع عن حقوق المواطنين. أو بما تعانى منه تلك التركيبة من مركزية شديدة تجعلها تفرض أجندة أمنية عامة تتناقض مع الأولويات الأمنية المحلية. أو بما أصيبت به تلك التركيبة من مرض عضال ربطها فى علاقة غير حميدة بالسلطة فى ظل دولة بوليسية بامتياز . أو بما عطل تطور تلك التركيبة فأدى إلى أن تدار وزارة الداخلية أمنياً من خلال كادر أمنى ومنهج أمنى ولا تدار سياسياً من خلال كادر سياسى يلبى مصالح المواطنين ويتفهم احتياجاتهم الأمنية .
المعاشات
كما سبق ان قلت ان ضابط الشرطة موظف مدنى فهو يخضع للمعاشات المدنية مثل الموظفين
ومعاش وكيل الوزارة لا يتجاوز الالف جنية
فبالله عليكم قولوا لى كيف يعيش ضابط الشرطة بعد خروجة على المعاش وكيف ينفق على اولادة الذين تعودوا ان يعيشوا حياة ابوهم كضابط ناهيك عن مصاريف اولادة فى المدارس الخاصة والكليات
لا تقولوا لى انة يقبض مكافاة كبيرة
لان المعاش يا سادة هو الدائم ولكن المكافاة سرعان ما تتلاشى فى الهواء

 
ربما توضح كل تلك النقاط سراً من أسرار العلاقة الملتبسة فى مصر بين الشرطة والشعب, وتفتح الباب المغلق لكى يطلع المواطنين على باطن وزارة الداخلية, تلك الوزارة التى توجد فى كل مكان, ورغم ذلك ربما لا يعرفها أحد.

ليست هناك تعليقات: