بين القصرين ..
طيب ... فلاش باك ... احدى شوارع القاهرة القديمة ...
بيت أسرة مصرية خالصة ...
يرجع رجلها م السفر ويدخل على حريمه
فيلاقى رجلها متجبسة ...
والست دى سيدنا الحسين دعاها ...
قامت لبت الندا .. سوارس صدمتها
و.. يعنى خرجتى من غير إذنى يا أمينة ؟!!!!
آه خرجت .. أشم شوية هوا
ولا انتا أشترتنى وانا الجارية اللى جابتهالك نينة ...
لأ فوق يادلعدى ..
ولمّ التعابين يا سيد
مكنوش ساعتين دولا اللى خرجتهم !!
وبعد ما رزعها قلمين ..
وأدته بالقُلة ف دماغه
وإتلموا الجيران وهدوا النفوس ..
صالح سى السيد أمينة والست قعدت ف بيتها
وقالت الطيب احسن
وبيتها دا بقى
يبقى فين ؟
نجيب محفوظ جاوب ع السؤال
ف ثلاثيته اللى سماها بأسماء أشهر شوارع الجمالية
مسقط رأسه
و مسرح احداث الرواية وشخوصها
بيت السيد أحمد عبدالجواد ..
الذى يجسد بعائلته المجتمع المصرى بطبقته المتوسطة بهذا الوقت
كان ف شارع ... بين القصرين ..
وعلى أرض الشارع دا كانت وكالة سى السيد ...
وبينما هوه قاعد يبعزق ف فلوسه ع الحريم
ويقول انها بضاعة أتلفها الهوا
مكنش يعرف يمكن ..
انه على نفس الأرض دى من من مئات السنين ..
كان فيه تاجر زيه تمام ..
قاعد بيبيع ويشترى ويتاجر فى نفس المطرح !
فى سنة 968 دخل جوهر الصقلى مصر فاتحا ...
وبناء على طلب مولاه الخليفة المعز لدين الله ..
تم إنشاء مدينة لتكون عاصمة لخلافة الفاطميين ف مصر
مش هنرغى كتير عشان حكينا الحدوتة دى قبل كدا بس نفتكر سوا
ان جوهر الصقلى ف بداية الامر
لما بنى القاهرة مكنش مقصود تبقى مدينة للعوام ولا حاجة
كان المقصود بيها ان تكون مقر للخليفة ..
وثكانت لجنده وخدمه و رعاياه المقربين ..
ولما اتبنت المبانى تم تحويطها
بسور من كل الجهات ببوابات عدة
وكان الدخول محظور على أى نفر كدا ...
لازم حد له صلة بجوا ..
وع المغرب كانت الأبواب بتنقفل
وتنعزل القاهرة عن سكان مصر اللى لازقين فيها .. !
ولأنها كانت منطقة فعلا .. ممنوع الإقتراب أو التصوير ..
و جه من هنا تسمية "مصر المحروسة"
لأنها كانت تحرس
بواسطة الجند المتمركزين على الأبواب
ويحكى الرحالة والمؤرخين عن القاهرة حكايات ..
وازاى كانت ابهة وفخيمة وفيها عز الملوك فعلا ..
وازاى ان جوهر الصقلى بدأ ف بنا القصر 969 ميلادى
عشان يكون القصر دا مقر أقامة المعز لدين الله
واللى كان يشوف القصر من بعيد
وكأنه جبل متحاوط بسور ..ا
ما اللى بيقرب مكنش شىء بيشوف من علو السور
وجنبه اتبنى مبانى وقصور مجاورة صغيرة تانية للجند والخدم
وقيل ان المعز هوه اللى حط تصميم القصر بنفسه
و خلاه ب10 بوابات ويساع 30 ألف نفر !
وروح يا زمان وتعالى يا زمان ويموت المعز..
ويمسك العزيز مكان ابوه ..
وانا زى بابا بالضبط ف الشدة شديد وف القوة قوى
وبناله قصر هوه كمان بالمرة
وبقى داخل أسوار القاهرة الفاطمية .. قصر المعز ..
واسمه القصر الشرقى الكبير ..
وقصر العزيز اواسمه القصر الغربى الصغير ...
وبينهم قصور صغننة ... للخدم والجند والجوارى الخ
و بينحكى العجب العجاب عن القصرين دول
و كم الزخرفة والدهب والفضة والحرير والفخامة
اللى كانت بتجيب هلع وانبهار لزوراه من الغرب
حتى مش عرب بس
الفاطميين متفهموش كانوا جايبين الفلوس دى كلها منين ..
كانوا أغنياء بشكل غبى ..
ولما دخلوا مصر كانوا عاوزين ينشروا المذهب الشيعى بلطف و خفة
لأنهم عارفين ان العنف مش هيمشى
مع الشعب الضارب بجذروه ف المذهب السنى
فإتمحلسوا للشعب بكل الصور الممكنة ..
نظام عطيات ف الجوكر .. ولاعبته كللللل الألعاب
شالوا عنهم ضرايب ...
وعملوا احتفالات
و انعموا بالعطايا ع الغلابة وع الناس العادية ...
اسرفوا ف الأبهة ويكفى ان ابهى مظاهرنا منهم زى الفانوس
وعروسة المولد
ابقوا فكرونى احكيلكم حكايتها ...
لما اخلص الحدوتة دى ..
عشان ليها علاقة بالعند بتاع الشعب الجميل دا متتفوتش
المهم ...
القاهرة فضلت مقفولة على سكانها من الطبقة الحاكمة ..
مدة طويلة بقوة الخلفاء الفاطميين ..
لحد ما جه وقت الضعف وبداية الإضمحلال بقى
إنفتحت البوابات ف بعض الجهات
وبقى فيه دخول وخروج للعامة
واتبنى نفق تحت الاض يوصل بين القصر الغربى
والقصر الشرقى عشان الحاكم يعدى منه بامان
وتانى ...
روح يا زمان وتعالى يا زمان
والفاطميين يلاقوا اللى ياخد مكانهم
وييجى الأيويبين وجندهم ينهبوا القصرين ويجيبوا عاليهم واطيهم !
ويبقى فيه اصرار على محو أثار الفاطميين
(فيما عدا الأزهر طبعا كمبنى)
ويتسرق كل التحف والدهب والخيول والجوارى
وكله كله يبقى أثر من بعد عين
وميفضلش من أثر المكان المهيب دا غير السور ببواباته
واللى اتجدد منها واندثر منها
واتعرفت لنا بإسم بوابات القاهرة ..
باب النصر العزب زويلة الخ
اما بقى المنطقة اللى بين القصرين ..
ففضلت على اسمها اللى أتعرفت بيه بين الناس ...
لما كان القصرين موجودين ...
والشارع مفتوح للعامة يستعملوه
الناس استخدمته للتجول بالبضاعة والتجار بسرعة فتحوا فيه محلات
وكعادة المصريين بيعملوا بالمثل..
من جاور السعيد يسعد ودول جاورا الحكام والملوك
ويتهد القصرين
ويفضل الشارع بمحلاته وتجاره وسكانه ورواده ...
ويعرف بإسم .. بين القصرين
ف احد القصرين ...
كان ساكن بطل قصتنا بتاعت النهاردة ..
وهوه الاخ .. المستنصر بالله ..
اللى قعدوه ع العرش وهوه ابن 7 سنين يا كبدى ميفهمش حاجة
قوم قبل سنة 1074 بسبع سنين ..
مصر تشوف شدة وتمر بمحنة لم تر مثلها
وكما وصف البعض وقتها ولا من أيام سيدنا يوسف عليه السلام .. !
الاول منسوب النيل نقص بشكل بشع والغلة نقصت بالتبعية ..
والزرع مفيش ولا فيه اكل ولا مواشى والمجاعة عمت البلاد
من شرقها لغربها لشمالها لجنوبها
الناس مكنتش لاقية اكل .. فبقوا يدبحوا القطط والكلاب وياكلوهم ...
بعد شوية الجوع زاد
والناس بقت بتترمى جثث ف الشوارع والبيوت والغيطان م الجوع
ومتلاقيش اللى يدفنها .. فتتعفن وتتحلل .. وانتشر الطاعون ..
وبقى الويل ويلين والمصيبة اتنين .. جوع وطاعون ..
وقرى بحالها كانت بتفضى من سكانها
وكانت الناس بيتبع بناتها جوارى عشان يلاقوا اكل ف قصور اللى هيشتريهم ..
ومرة احدى النساء اللى من عيلة موسرة ملقتش أكل لولادها الصغيرين ..
فراحت واخدة عقد تملكه بألف دينار وخرجت تشترى قمح ..
خدت الشوال وعدت بيه من احد البوابات
ف اتكاتروا عليها الناس الجياع وقعّوها وكل واحد خطف حبة
مفضلهاش غير كبشة كدا قبضت عليها بإيدها ..
قعدت تعيط وراحت قايمة
وروّحت بيتها خبزت الشوية دول
وعملت قرص
وراحت عند قصر المستنصر
وراحت قايلة ..
يا أهل القاهرة ...
أدعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه
وأعاد عليهم بركات حسن نظره
حتى تقومت على هذه القرصة بألف دينار !!!
ردحتله ردحتله يعنى ...
والله ستات مصر دول آخر مجدعة والله
الموقف كان زفت فعلا ..
على كل الأصعدة والمستنصر نفسه عانى مما عانى منه شعبه ..
خزاينه خوت وتحفه وجواهره كلها اتباعت وباع حتى زينة قبور اهله
بناته وحريمه هربوا على بغداد من الجوع ..
وجواريه كانوا بيجروا ف الشوارع كاشفين روسهم
وبيصرخوا م الجوع ..
وآخر بهدلة الصراحة
بس يا ريتها جت على كدا وبس ... كانت تبقى محتملة ...
انما للأسف .. سوء أدارة المستنصر للبلاد ادت لما هوه أبشع
وخرجت م المصريين حيوانيتهم ..
مبقاش الناس تكتفى باكل الكلاب ..
بقم بياكلوا بعض !!
كانوا يعملوا خطاف زى بتاع السنارة كدا على كبير
و يقفوا فوق اسطح البيوت ويخطفوا بيه العيال الصغيرة من فوق وياكلوهم
ويبقى الطبيب رايح يكشف على عيان ..
فيروح طالع عليه مجموعة اول ما يدخل يدبحوه ويطبخوه وياكلوه ... !
فبقى الناس تترعب من بعض وكل بيشك ف كله !
يمسكوا ست ف الشارع يلاقوا ف القفة اللى ماسكها دراع عيل او رجله
ويسالوها ويقّرروها ... مين دا
تقول دا ابنى .. !!!
وصديق يعزم صديقه ويقوله عندى اكل فيروح يلاقيهم
وهما غلابة وفقرا عندهم لحمة كتييير
فيدخل يبص ف ركن يلاقى بقايا بنى آدمين مدبوحة ..
فيهرب منهم
ينط على سور البيت اللى جنبهم ولما صاحب الدار يسأله
وشك اصفر ليه ويخاف يقول ..
فالجار يقوله متخفش
انا عارف انهم بياكلوا لحم الناس ...
الام كانت بتبيع بنتها بخمس دراهم عشان الشارى
ياخدها للشام او العراق فتعيش ..
وكانوا الستات مستهدفات بأطفالهم لسهولة خطفهم عن الرجالة
وابتدى المعدل يزيد اكتر كان بيموت ف اليوم 100 بقوا 500 ثم ألف ..
لحد ما وصل عدد الضحايا ف الـ 7 سنين لمليون وزيادة
ودول كانوا تلت سكان مصر
المشكلة الحقيقة ان سى المستنصر أفندى مامته كانت امريكانية
يوه سورى ..
كانت سودانية ...
فلما مسك الحكم جابت قرايبها ونسايبها ومعارفهم وكدا
وبعدين كان موجود من قبلهم جنود اتراك ومغاربة
وكل فصيل بيتسلح وعامل ترسانة وبيتقاتلوا
وانتهزوا فرصة المجاعة و ضعف الحاكم وفجروا اكتر واكتر
المستنصر نفسه كان متدهول على عينه وقاعد ف قصره الخاوى ..
وبيتلقى الإعانات من احد بنات كبار العلماء وقتها
وكل يوم كانت بتبعتله وجبة تقوته !!
كان اسمها الشريفة بنت صاحب السبيل
وهبقى ادعبس اشوف ايه حكايتها الست دى
اللى بيقولوا انها خلصت كل مالها وحالها على اطعام الناس والحاكم نفسه!
الجند الاتراك اتخانقوا مع السوادنيين ..
قوم الأخرانيين راحوا متمركزين تحت ف الجنوب
وقطعوا أى امدادت جاية م الصعيد والجنوب لسد حاجة الناس
والمستنصر حط صوابعه كلها ف الشق
بعد ما طلع اللى تحت البلاطة وباع البلاطة
وفاضل يحجزوا ع القصر
وراح باصص حواليه ملقاش غير والى عكا ...
دا كان الأستاذ الاخلاق بدر الدين الجمالى
المملوك الارمنى الأصل اللى اشتراه والى دمشق
وأتنطّق ف المناصب لحد ما مسكه ولاية عكا بسبب كفاءته
المستنصر المحتاس بعتله .. قاله الحقنى يا حاج ...
جه الجمالى على وجه السرعة
ملبيا الندا بعد ما سمع عن وكسة مصر سبع سنين بحالهم .. !!
الجمالى حط الخطوط العريضة مع المستنصر
وقاله حضرتك انا عاوز صلاحيات مطلققققققققة ..
ومحدش يحاسبنى الا ف نهاية فترتى الوزارية بقى .. هه
المستنصر طبعا وافق ... هيقوله ايه ؟!!
واداله كل الصلاحيات
وخرج بدر الدين الجمالى من قصر الخليفة لحارة برجوان
ف بيت جنب جامع الحاكم بأمر الله
ف السوكتيم كدا أعد الخطة .. وابتدى ينفذ ..
بعت أنصاره لرؤساء التلات طوايف العسكرية ..
المغاربة والسودانين والأتراك ..
و فهمهم انه فيه مصلحة
كل طايفة اتعملها اجتماع مغلق مع مندوب من طرف الجمالى ..
وسهروا واكلوا ودخنولهم سيجارتين حشيش
وبعدين وقف العسكر برا القاعة ... ينتظروا
وبقى كل ما حد من عسكر الاترك مثلا
يقوم عشان يروح يروحوا دابحينه ع الباب..
وهكذا لحد ما خلصوا عليهم كلهم ..
وبالمثل تم مع السوادنيين والمغاربة
وف ظرف أيام كان بدر الدين الجمالى
عامل مدبحة زى مدبحة محمد على مع المماليك كدا ...
ولمّ الحاج الجماجم وحطها ف شولة
و رماها عند قدم المستنصر
وحصل على لقب " السيد الأجل امير الجيوش ناصر الإمام المستنصرى"
بدر الدين الجمالى على سن ورُمح
ومش بس اللقب دا حصل على مصر كلها تقريبا ف عِبّه
وكما يقول ابن تغرى بردى :
وقد تحكم بدر الجمالى فى مصر تحكم الملوك ولم يبق للمستنصر معه أمر
الراجل كان واسع الحيلة وكفاءة ولا تنقصه القسوة الحقيقة
وقيل انه قتل ناس كتير وقتها خصوصا اللى اكلوا لحم البشر
ومفيش ليهم علاج واصابهم الجنون
وبدأ على نضافة يصلح كل اللى باظ وبعهده بدأ عصر الورزاء ..
بعد ما كان من قبله عصر الخلفاء
وفضل الوضع كدا الوزير ف مصر الاقوى لحد الأيوبيين
وف عهد الجمالى يجدد أسوار القاهرة
ويعبد طرق ويبنى ويصلح واكراما له ...
يتسمى المكان كله على اسمه ...
حى الجمالية
حى الجمالية ... قلب القاهرة ومصر المحروسة ..
وصندوق كنوز العمارة الأسلامية والتاريخ الحى الذى لا يموت
ومسقط راس عم نجيب محفوظ ..
و صاحب رواية بين القصرين ... اللى اتسمى على اسمها الشارع وادينا عرفنا
... ليه قصرين وليه بينهم :)
وكمان مسقط راس عمنا القائد الهمام الفريق اول السيسى ملحوظة اخيرة قبل ما امشى بقى ...
لقطة وبذكاء ليه انا بحكى الحدوتة دى ..
لأنها شكلها شبه الأيام الجاية ولاّ ايه ..
و انها مخاوفى
احنا كان عندنا تقريبا نفس الظروف والملابسات ..
حاكم كيس جوافة سايب البلد تنحل وتضبع
وبيفقرها وعامل من بنها لحد ما هيشحت زى المستنصر ان شاء الله
ودلوقتى عندنا جدو الببلاوى اللى ما بيحل ولا بيربط
عندنا فئات متصارعة عمالة تنهش ف البلد ومش مهم بيحصل ايه ..
المهم كل واحد ينهب ويعبى ف كرشه واياكش تولع بلى فيها .. !!
عندنا ناس بتفتقر وقربنا ناكل ف بعض ...
احنا فعلا نباكل ف بعض دلوقتى بشكل مجازى ..
لحوم الضعفاء مستباحة للبعض واللى يقدر ينهش ينهشها !!
وسبحان الله زى ما النساء والاطفال زمان كانوا الضعفاء بيتباعوا ويتاكلوا
دلوقتى برضو هما الحيطة المايلة
وعاوزين ياكلوا لحمهم بالجواز والشرع
وزى ما حصل استعانة بالجمالى لأنقاذ البلاد
وقبض بعدها التمن ومسك ابنه من بعدها توريث وكدا ..
احنا دلوقتى بنستلف من قطر وامريكا وأى كلب معدى
وكله هيقولك فين التمن بعدين اكيد ..
ولاّ ببلاش ولله وللوطن ؟!!!
زى ما الجند السودانيين ما قطعوا الطريق ف الجنوب ونشفوها
الأخوة ف سينا (هما كتير يعنى ) برضو عاملين كماشة
وعاوزين يخلوها امارة خاصة بيهم
والشعب ساكت خاااالث
ويحضرنى هنا ..
جملة السيد احمد عبدالجواد البليغة لما قال
" أصل انا مخلفتش رجااااااالة يا امينة "
ربنا يسّلم البلد ...
وتصبحوا على خير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق